الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج ***
المتن: مَهْرُ الْمِثْلِ مَا يُرْغَبُ بِهِ فِي مِثْلِهَا، وَرُكْنُهُ الْأَعْظَمُ نَسَبٌ، فَيُرَاعَى أَقْرَبُ مَنْ تُنْسَبُ إلَى مَنْ تُنْسَبُ إلَيْهِ وَأَقْرَبُهُنَّ أُخْتٌ لِأَبَوَيْنِ ثُمَّ لِأَبٍ ثُمَّ بَنَاتُ أَخٍ ثُمَّ عَمَّاتٌ كَذَلِكَ، فَإِنْ فُقِدَ نِسَاءُ الْعَصَبَةِ أَوْ لَمْ يُنْكَحْنَ أَوْ جُهِلَ مَهْرُهُنَّ فَأَرْحَامٌ كَجَدَّاتٍ وَخَالَاتٍ، وَيُعْتَبَرُ سِنٌّ وَعَقْلٌ وَيَسَارٌ وَبَكَارَةٌ وَثُيُوبَةٌ وَمَا اخْتَلَفَ بِهِ غَرَضٌ، فَإِنْ اخْتَصَّتْ بِفَضْلٍ أَوْ نَقْصٍ زِيدَ أَوْ نُقِصَ لَائِقٌ فِي الْحَالِ، وَلَوْ سَامَحَتْ وَاحِدَةٌ لَمْ تَجِبْ مُوَافَقَتُهَا، وَلَوْ خَفَضْنَ لِلْعَشِيرَةِ فَقَطْ اُعْتُبِرَ.
الشَّرْحُ: تَنْبِيهٌ: قَدْ مَرَّ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ مَهْرُ الْمِثْلِ فِي الْمُفَوَّضَةِ فِيمَا إذَا وُطِئَتْ بِأَكْثَرِ مَهْرِ مِثْلٍ مِنْ الْعَقْدِ إلَى الْوَطْءِ، فَهَلْ هُنَا كَذَلِكَ، أَوْ يُعْتَبَرُ بِحَالِ الْعَقْدِ أَوْ الْمَوْتِ؟ أَوْجُهٌ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا بِلَا تَرْجِيحٍ: أَوْجَهُهَا أَوَّلُهَا لِأَنَّ الْبُضْعَ دَخَلَ فِي ضَمَانِهِ بِالْعَقْدِ وَتَقَرَّرَ عَلَيْهِ بِالْمَوْتِ كَالْوَطْءِ. وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: يَنْبَغِي اعْتِبَارُ الثَّانِي. وَلَمَّا قَدَّمَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وُجُوبَ مَهْرِ الْمِثْلِ فِي الصَّدَاقِ الْفَاسِدِ وَفِي التَّفْوِيضِ احْتَاجَ إلَى بَيَانِهِ بِمَا يَضْبِطُهُ فَتَرْجَمَ لَهُ بِفَصْلٍ، فَقَالَ. فَصْلٌ أَيْ فِي ضَابِطِ ذَلِكَ (مَهْرُ الْمِثْلِ مَا يُرْغَبُ بِهِ فِي مِثْلِهَا) عَادَةً (وَرُكْنُهُ) أَيْ مَهْرِ الْمِثْلِ (الْأَعْظَمُ نَسَبٌ) فِي النَّسِيبَةِ لِوُقُوعِ التَّفَاخُرِ بِهِ كَالْكَفَاءَةِ فِي النِّكَاحِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِينَ كَالْمُصَنِّفِ اعْتِبَارُ ذَلِكَ فِي الْعَجَمِ كَالْعَرَبِ، وَهُوَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الرَّغَبَاتِ تَخْتَلِفُ بِالنَّسَبِ مُطْلَقًا، وَمَنَعَ الْقَفَّالُ وَالْعَبَّادِيُّ اعْتِبَارَ النَّسَبِ فِي الْعَجَمِ (فَيُرَاعَى) فِي تِلْكَ الْمَرْأَةِ الْمَطْلُوبُ مَهْرُ مِثْلِهَا (أَقْرَبُ مَنْ تُنْسَبُ) مِنْ نِسَاءِ الْعَصَبَةِ (إلَى مَنْ تُنْسَبُ) هَذِهِ الْمَرْأَةُ الْمَذْكُورَةُ (إلَيْهِ) كَالْأُخْتِ وَبِنْتِ الْأَخِ وَالْعَمَّةِ وَبِنْتِ الْعَمِّ لَا الْجَدَّةِ وَالْخَالَةِ. أَمَّا غَيْرُ النَّسِيبَةِ فَيُعْتَبَرُ مَهْرُهَا بِالْأَوْصَافِ الْآتِيَةِ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ. تَنْبِيهٌ: ضَمِيرُ إلَيْهِ يَرْجِعُ إلَى مَنْ الثَّانِيَةِ، وَيُرَاعَى فِي نِسَاءِ الْعَصَبَاتِ قُرْبُ الدَّرَجَةِ، وَكَوْنُهُنَّ عَلَى صِفَتِهَا (وَأَقْرَبُهُنَّ أُخْتٌ لِأَبَوَيْنِ ثُمَّ لِأَبٍ ثُمَّ بَنَاتُ أَخٍ) لِأَبَوَيْنِ ثُمَّ لِأَبٍ (ثُمَّ عَمَّاتٌ كَذَلِكَ) أَيْ لِأَبَوَيْنِ ثُمَّ لِأَبٍ لِأَنَّ الْمُدْلِيَ بِجِهَتَيْنِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمُدْلِي بِجِهَةٍ. تَنْبِيهٌ: لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ بَنَاتِ الْعَمِّ لِأَبَوَيْنِ ثُمَّ لِأَبٍ وَلَا بُدَّ مِنْهُ، وَكَذَا بَنَاتُ أَوْلَادِ الْعَمِّ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّ الْعَمَّةَ تُقَدَّمُ عَلَى بِنْتِ بِنْتِ الْأَخِ وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ الْمُرَادُ تَرْتِيبُ جِهَةِ الْعُمُومَةِ عَلَى جِهَةِ الْأُخُوَّةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ، وَلَوْ كَانَ نِسَاءُ الْعَصَبَةِ بِبَلَدَيْنِ هِيَ فِي أَحَدِهِمَا اُعْتُبِرَ نِسَاءُ بَلَدِهَا، فَإِنْ كُنَّ بِبَلَدٍ غَيْرِ بَلَدِهَا فَالِاعْتِبَارُ بِهِنَّ أَوْلَى مِنْ الْأَجْنَبِيَّاتِ فِي الْبَلَدِ كَمَا جَزَمَا بِهِ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَإِنْ نُوزِعَا فِيهِ (فَإِنْ فُقِدَ نِسَاءُ الْعَصَبَةِ) مِنْ الْأَصْلِ، أَمَّا لَوْ مُتْنَ اُعْتُبِرْنَ كَالْحَيَاةِ (أَوْ لَمْ يُنْكَحْنَ) أَصْلًا (أَوْ) نُكِحْنَ لَكِنْ (جُهِلَ مَهْرُهُنَّ فَأَرْحَامٌ) لَهَا يُعْتَبَرُ مَهْرُهَا بِهِنَّ تُقَدَّمُ الْقُرْبَى فَالْقُرْبَى مِنْ الْجِهَاتِ، وَكَذَا مِنْ الْجِهَةِ الْوَاحِدَةِ (كَجَدَّاتٍ وَخَالَاتٍ) لِأَنَّهُنَّ أَوْلَى مِنْ الْأَجَانِبِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الْأُمَّ لَا تُعْتَبَرُ وَلَيْسَ مُرَادًا، فَقَدْ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: يُقَدَّمُ مِنْ نِسَاءِ الْأَرْحَامِ الْأُمُّ ثُمَّ الْجَدَّاتُ ثُمَّ الْخَالَاتُ، ثُمَّ بَنَاتُ الْأَخَوَاتِ، ثُمَّ بَنَاتُ الْأَخْوَالِ، وَعَلَى هَذَا قَالَ: لَوْ اجْتَمَعَتْ أُمُّ أَبٍ وَأُمُّ أُمٍّ فَأَوْجُهٌ. ثَالِثُهَا وَهُوَ الْأَوْجَهُ التَّسْوِيَةُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي عَصَبَاتِهَا مَنْ هِيَ فِي صِفَتِهَا كَمَا سَيَأْتِي كُنَّ كَالْعَدَمِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْعِمْرَانِيُّ وَغَيْرُهُ. وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ فِي نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ إشَارَةٌ إلَيْهِ قَالَ ابْنُ قَاسِمٍ: فَيُنْتَقَلُ إلَى مَنْ بَعْدَهُنَّ، فَإِنْ فُقِدَ نِسَاءُ الْأَرْحَامِ، أَوْ لَمْ يُنْكَحْنَ أَصْلًا أَوْ جُهِلَ مَهْرُهُنَّ اُعْتُبِرَتْ بِمِثْلِهَا مِنْ الْأَجْنَبِيَّاتِ، لَكِنْ تُقَدَّمُ أَجْنَبِيَّاتُ بَلَدِهَا، ثُمَّ أَقْرَبُ بَلَدٍ إلَيْهَا، وَتُعْتَبَرُ الْعَرَبِيَّةُ بِعَرَبِيَّةٍ مِثْلِهَا، وَالْبَلَدِيَّةُ بِبَلَدِيَّةٍ مِثْلِهَا، وَالْقَرَوِيَّةُ بِقَرَوِيَّةٍ مِثْلِهَا، وَالْأَمَةُ بِأَمَةٍ مِثْلِهَا فِي خِسَّةِ السَّيِّدِ وَشَرَفِهِ، وَالْعَتِيقَةُ بِعَتِيقَةٍ مِثْلِهَا. تَنْبِيهٌ: الْمُرَادُ بِالْأَرْحَامِ هُنَا قَرَابَاتُ الْأُمِّ لَا ذَوُو الْأَرْحَامِ الْمَذْكُورُونَ فِي الْفَرَائِضِ؛ لِأَنَّ أُمَّهَاتِ الْأُمِّ لَسْنَ مِنْ الْمَذْكُورِينَ فِي الْفَرَائِضِ قَطْعًا (وَيُعْتَبَرُ) مَعَ مَا تَقَدَّمَ (سِنٌّ) وَعِفَّةٌ (وَعَقْلٌ) وَجَمَالٌ (وَيَسَارٌ) وَفَصَاحَةٌ (وَبَكَارَةٌ وَثُيُوبَةٌ) وَهِيَ مَصْدَرٌ لَيْسَتْ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ (وَمَا اخْتَلَفَ بِهِ غَرَضٌ) كَالْعِلْمِ وَالشَّرَفِ؛ لِأَنَّ الْمُهُورَ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ هَذِهِ الصِّفَاتِ، وَإِنَّمَا لَمْ يُعْتَبَرْ الْجَمَالُ، وَكَذَا الْمَالُ فِي الْكَفَاءَةِ، لِأَنَّ مَدَارَهَا عَلَى دَفْعِ الْعَارِ، وَمَدَارَ الْمَهْرِ عَلَى الرَّغَبَاتِ، وَهَذَا مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ فَيُعْتَبَرُ مَهْرُ نِسْوَةٍ شَارَكَتْهُنَّ الْمَطْلُوبُ مَهْرُهَا فِي شَيْءٍ ذُكِرَ. قَالَ الْفَارِقِيُّ: بَعْدَ ذِكْرِ مَا يُعْتَبَرُ فِيهَا أَنَّهُ يُعْتَبَرُ حَالُ الزَّوْجِ أَيْضًا مِنْ يَسَارٍ وَعِلْمٍ وَعِفَّةٍ وَنَحْوِهَا. قَالَ: فَلَوْ وُجِدَ فِي نِسَاءِ الْعَصَبَةِ بِصِفَتِهَا وَزَوَّجَهَا مِثْلَ زَوْجِهَا فِيمَا ذُكِرَ مِنْ الصِّفَاتِ اُعْتُبِرَ بِهَا وَإِلَّا فَلَا (فَإِنْ اخْتَصَّتْ) أَيْ انْفَرَدَتْ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ (بِفَضْلٍ) أَيْ صِفَةِ كَمَالٍ مِمَّا ذُكِرَ (أَوْ نَقْصٍ) عَنْهُ (زِيدَ) فِي مَهْرِهَا فِي صُورَةِ الْفَضْلِ (أَوْ نُقِصَ) مِنْهُ فِي صُورَةِ النَّقْصِ (لَائِقٌ بِالْحَالِ) أَيْ حَالِ الْمَرْأَةِ الْمَطْلُوبِ مَهْرُهَا بِحَسَبِ مَا يَرَاهُ الْحَاكِمُ، فَالرَّأْيُ فِي ذَلِكَ مَنُوطٌ بِهِ فَيُقَدِّرُهُ بِاجْتِهَادِهِ صُعُودًا وَهُبُوطًا، وَهَذَا كَمَا قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ إذَا لَمْ يَحْصُلُ الِاتِّفَاقُ عَلَيْهِ وَحَصَلَ تَنَازُعٌ (وَلَوْ سَامَحَتْ وَاحِدَةٌ) مِنْهُنَّ (لَمْ تَجِبْ) عَلَى الْبَاقِيَاتِ (مُوَافَقَتُهَا) اعْتِبَارًا بِالْغَالِبِ. نَعَمْ إنْ كَانَتْ الْمُسَامَحَةُ لِنَقْصِ نَسَبٍ يُفَتِّرُ الرَّغْبَةَ اُعْتُبِرَتْ الْمُسَامَحَةُ فِيهِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا. قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: وَهَذَا قَدْ يُعْلَمُ مِنْ الَّذِي قَبْلَهُ (وَلَوْ خَفَضْنَ ) بِأَنْ جَرَتْ عَادَتُهُنَّ بِالتَّخْفِيفِ فِي الْمَهْرِ (لِلْعَشِيرَةِ) أَيْ الْأَقَارِبِ (فَقَطْ) أَوْ الشَّرِيفِ أَوَالْعَالِمُ أَوْ الشَّابِّ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ (اُعْتُبِرَ) ذَلِكَ فِي الْمَطْلُوبِ مَهْرُهَا بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ ذُكِرَ دُونَ غَيْرِهِمْ. تَنْبِيهٌ: لَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَعَكْسُهُ لَشَمِلَ مُسَامَحَةَ غَيْرِ الْعَشِيرَةِ دُونَ الْعَشِيرَةِ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ. قَالَ: وَيَكُونُ ذَلِكَ فِي الْقَبِيلَةِ الدَّنِيئَةِ، وَلَوْ كَانَتْ النِّسَاءُ الْمُعْتَبَرَاتُ يُنْكَحْنَ بِمُؤَجَّلٍ أَوْ بِصَدَاقٍ بَعْضُهُ مُؤَجَّلٌ وَبَعْضُهُ حَالٌّ لَمْ يُؤَجِّلْهُ الْحَاكِمُ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ، وَلَكِنْ يُنْقِصُ مَا يَلِيقُ بِالْأَجَلِ.
المتن: وَفِي وَطْءِ نِكَاحٍ فَاسِدٍ مَهْرُ مِثْلٍ يَوْمَ الْوَطْءِ، فَإِنْ تَكَرَّرَ فَمَهْرٌ فِي أَعْلَى الْأَحْوَالِ. قُلْت: وَلَوْ تَكَرَّرَ وَطْءٌ بِشُبْهَةٍ وَاحِدَةٍ فَمَهْرٌ، فَإِنْ تَعَدَّدَ جِنْسُهَا تَعَدَّدَ الْمَهْرُ.
الشَّرْحُ: (وَ) يَجِبُ (فِي وَطْءِ نِكَاحٍ) أَوْ شِرَاءٍ (فَاسِدٍ مَهْرُ مِثْلٍ) لِاسْتِيفَائِهِ مَنْفَعَةَ الْبُضْعِ كَوَطْءِ الشُّبْهَةِ (يَوْمَ) أَيْ وَقْتَ (الْوَطْءِ) لِأَنَّهُ وَقْتُ الْإِتْلَافِ وَلَا اعْتِبَارَ بِالْعَقْدِ إذْ لَا حُرْمَةَ لَهُ لِفَسَادِهِ (فَإِنْ تَكَرَّرَ) وَطْءٌ فِيمَا ذُكِرَ (فَمَهْرٌ) وَاحِدٌ كَمَا فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ إذْ فَاسِدُ كُلِّ عَقْدٍ كَصَحِيحِهِ، وَالشُّبْهَةُ شَامِلَةٌ لِلْكُلِّ فَأَشْبَهَتْ النِّكَاحَ، وَلَكِنْ يُعْتَبَرُ (فِي أَعْلَى الْأَحْوَالِ) الَّتِي لِلْمَوْطُوءَةِ حَالَ وَطْئِهَا كَأَنْ يَطَأَهَا سَمِينَةً وَهَزِيلَةً فَيَجِبُ مَهْرُ تِلْكَ الْحَالَةِ الْعُلْيَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُوجَدْ إلَّا الْوَطْأَةُ الْوَاقِعَةُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ لَوَجَبَ ذَلِكَ الْمَهْرُ، فَالْوَطَآتُ الْبَاقِيَةُ إذَا لَمْ تُوجِبْ زِيَادَةً لَا تُوجِبْ نَقْصًا. تَنْبِيهٌ: الْمُرَادُ بِالتَّكْرَارِ كَمَا قَالَهُ الدَّمِيرِيُّ: أَنْ يَحْصُلَ بِكُلِّ وَطْأَةٍ قَضَاءُ الْوَطَرِ مَعَ تَعَدُّدِ الْأَزْمِنَةِ، فَلَوْ كَانَ يَنْزِعُ وَيَعُودُ وَالْأَفْعَالُ مُتَوَاصِلَةٌ وَلَمْ يَقْضِ الْوَطَرَ إلَّا آخِرًا فَهُوَ وِقَاعٌ وَاحِدٌ بِلَا خِلَافٍ. أَمَّا إذَا لَمْ تَتَوَاصَلْ الْأَفْعَالُ فَتَعَدُّدُ الْوَطَآتِ وَإِنْ لَمْ يَقْضِ وَطَرَهُ (قُلْت) كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ (وَلَوْ تَكَرَّرَ وَطْءٌ بِشُبْهَةٍ وَاحِدَةٍ) كَأَنْ ظَنَّ الْمَوْطُوءَةَ زَوْجَتَهُ أَوْ أَمَتَهُ (فَمَهْرٌ) وَاحِدٌ فِي أَعْلَى الْأَحْوَالِ لِشُمُولِ الشُّبْهَةِ. تَنْبِيهٌ: لَوْ قَالَ وَكَذَا لَوْ تَكَرَّرَ إلَخْ لَاسْتَغْنَى عَنْ تَقْيِيدِ كَلَامِهِ بِأَعْلَى الْأَحْوَالِ، وَخَصَّ الْمَاوَرْدِيُّ الِاتِّحَادَ بِمَا إذَا لَمْ يَغْرَمْ الْمَهْرَ، فَإِنْ غَرِمَ ثُمَّ وَطِئَ لَزِمَهُ مَهْرٌ آخَرُ (فَإِنْ تَعَدَّدَ جِنْسُهَا) أَيْ الشُّبْهَةِ كَأَنْ وَطِئَهَا بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ ثُمَّ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ وَطِئَهَا يَظُنُّهَا أَمَتَهُ (تَعَدَّدَ الْمَهْرُ) لِتَعَدُّدِ الْوَطَآتِ؛ لِأَنَّ تَعَدُّدَ الشُّبْهَةِ كَالْأَنْكِحَةِ. تَنْبِيهٌ: لَوْ تَعَدَّدَتْ الشُّبْهَةُ وَاتَّحَدَ الْجِنْسُ كَأَنْ ظَنَّهَا زَوْجَتَهُ فَوَطِئَهَا فَبَانَ الْحَالُ ثُمَّ ظَنَّهَا كَذَلِكَ فَوَطِئَهَا تَعَدَّدَ أَيْضًا مَعَ أَنَّ الْجِنْسَ وَاحِدٌ، فَلَوْ عَبَّرَ بِتَعَدُّدِ الشُّبْهَةِ دُونَ الْجِنْسِ لِيَشْمَلَ هَذِهِ الصُّورَةَ كَانَ أَوْلَى.
المتن: وَلَوْ كَرَّرَ وَطْءَ مَغْصُوبَةٍ أَوْ مُكْرَهَةً عَلَى زِنًا تَكَرَّرَ الْمَهْرُ.
الشَّرْحُ: (وَ) لَوْ فُقِدَتْ الشُّبْهَةُ كَمَا (لَوْ كَرَّرَ وَطْءَ مَغْصُوبَةٍ أَوْ) وَطِئَ (مُكْرَهَةً عَلَى زِنًا تَكَرَّرَ الْمَهْرُ) فَيَجِبُ لِكُلِّ وَطْءٍ مَهْرٌ لِانْتِفَاءِ الشُّبْهَةِ الْمُلْحَقَةِ بِالنِّكَاحِ وَالْوُجُوبُ هُنَا بِإِتْلَافٍ وَقَدْ تَعَدَّدَ. تَنْبِيهٌ: لَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِ الْمَغْصُوبَةِ بِكَوْنِهَا مُكْرَهَةً عَلَى الْوَطْءِ، لِأَنَّ الْمُطَاوَعَةَ لَا مَهْرَ لَهَا لِأَنَّهَا بَغِيٌّ، وَحِينَئِذٍ لَا يَظْهَرُ وَجْهُ عَطْفِ الْمُكْرَهَةِ عَلَيْهَا. نَعَمْ إنْ طَاوَعَتْهُ، وَلَكِنْ اخْتَصَّتْ الشُّبْهَةُ بِهَا دُونَهُ فَهُنَا يَظْهَرُ التَّعَدُّدُ فِي حَقِّهِ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ لِأَنَّهُ إتْلَافٌ مَحْضٌ مِنْ جِهَتِهِ بِلَا شُبْهَةٍ مِنْهُ، وَلَوْ تَكَرَّرَ وَطْءُ الْمَغْصُوبَةِ مَعَ الْجَهْلِ لَمْ يَتَكَرَّرْ الْمَهْرُ، فَإِنْ وَطِئَ مَرَّةً عَالِمًا وَمَرَّةً جَاهِلًا فَمَهْرَانِ.
المتن: وَلَوْ تَكَرَّرَ وَطْءُ الْأَبِ وَالشَّرِيكِ وَسَيِّدٍ مُكَاتَبَةً فَمَهْرٌ، وَقِيلَ مُهُورٌ، وَقِيلَ إنْ اتَّحَدَ الْمَجْلِسُ فَمَهْرٌ، وَإِلَّا فَمُهُورٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ تَكَرَّرَ وَطْءُ الْأَبِ) جَارِيَةَ وَلَدِهِ وَلَمْ يَحْصُلُ بِالْأَوَّلِ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ إحْبَالٌ أَيْ وَلَمْ تَكُنْ مُسْتَوْلَدَةً لِلِابْنِ أَوْ تَكَرَّرَ (وَ) طْءُ (الشَّرِيكِ) الْأَمَةَ الْمُشْتَرَكَةَ أَوْ تَكَرَّرَ (وَ) طْءُ (سَيِّدٍ مُكَاتَبَةً) لَهُ وَلَمْ يُحْبِلْهَا (فَمَهْرٌ) وَاحِدٌ فِي الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ بِالشَّرْطِ السَّابِقِ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ، وَعَلَيْهِ نَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُكَاتَبَةِ؛ لِأَنَّ شُبْهَتَيْ الْإِعْفَافِ وَالْمِلْكِ يَعُمَّانِ الْوَطَآتِ (وَقِيلَ) يَجِبُ فِي الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ (مُهُورٌ) بِعَدَدِ الْوَطَآتِ (وَقِيلَ) وَهُوَ رَأْيُ الْقَاضِي الْحُسَيْنِ وَالْبَغَوِيِّ وَمَالَ إلَيْهِ السُّبْكِيُّ (إنْ اتَّحَدَ الْمَجْلِسُ فَمَهْرٌ) فَقَطْ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَتَّحِدْ (فَمُهُورٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِانْقِطَاعِ كُلِّ مَجْلِسٍ عَنْ الْآخَرِ. أَمَّا إذَا أَحْبَلَ الْأَبُ جَارِيَةَ وَلَدِهِ بِالْوَطْءِ الْأَوَّلِ وَلَمْ تَكُنْ مُسْتَوْلَدَةً لِلِابْنِ فَلَا يَتَعَدَّدُ الْمَهْرُ بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَحْبَلَهَا تَصِيرُ مُسْتَوْلَدَةً لَهُ فَتَكَرُّرُ الْوَطْءِ إنَّمَا وَقَعَ فِي مِلْكِهِ. بَلْ إذَا أَنْزَلَ قَبْلَ دُخُولِ الْحَشَفَةِ فِي الْوَطْءِ الْأَوَّلِ لَا مَهْرَ عَلَيْهِ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا وَطِئَهَا وَهِيَ فِي مِلْكِهِ، وَإِنْ أَحْبَلَ السَّيِّدُ الْمُكَاتَبَةَ تَخَيَّرَتْ بَيْنَ الْمَهْرِ وَالتَّعْجِيزِ، وَتَصِيرُ حِينَئِذٍ أُمَّ وَلَدٍ، فَإِنْ اخْتَارَتْ الْمَهْرَ فَوَطِئَهَا مَرَّةً ثَانِيَةً خُيِّرَتْ، فَإِنْ اخْتَارَتْ الْمَهْرَ وَجَبَ مَهْرٌ آخَرُ، وَكَذَا سَائِرُ الْوَطَآتِ، نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ، حَكَاهُ فِي الْمُهِمَّاتِ، وَقَالَ هِيَ فَائِدَةٌ مُهِمَّةٌ. تَنْبِيهٌ: حَيْثُ اتَّحَدَ الْمَهْرُ عِنْدَ تَعَدُّدِ الْوَطَآتِ رُوعِيَ أَعْلَى أَحْوَالِهَا.
المتن: الْفُرْقَةُ قَبْلَ وَطْءٍ مِنْهَا أَوْ بِسَبَبِهَا كَفَسْخِهِ بِعَيْبِهَا تُسْقِطُ الْمَهْرَ.
الشَّرْحُ: فَصْلٌ فِيمَا يُسْقِطُ الْمَهْرَ، وَمَا يَشْطُرُهُ، وَمَا يُذْكَرُ مَعَهُمَا (الْفُرْقَةُ) فِي الْحَيَاةِ (قَبْلَ وَطْءٍ مِنْهَا) هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِالْفُرْقَةِ أَيْ الْفُرْقَةِ الْحَاصِلَةِ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجَةِ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا كَإِسْلَامِهَا بِنَفْسِهَا، أَوْ بِالتَّبَعِيَّةِ كَإِسْلَامِ أَحَدِ أَبَوَيْهَا كَمَا جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ الْمُتْعَةِ أَوْ فَسْخِهَا بِعَيْبِهِ، أَوْ بِعِتْقِهَا تَحْتَ رَقِيقٍ، أَوْ رِدَّتِهَا، أَوْ إرْضَاعِهَا زَوْجَةً لَهُ صَغِيرٌ (أَوْ) لَا مِنْ جِهَتِهَا بَلْ (بِسَبَبِهَا كَفَسْخِهِ بِعَيْبِهَا تُسْقِطُ الْمَهْرَ) الْمُسَمَّى ابْتِدَاءً وَالْمَفْرُوضَ الصَّحِيحَ وَمَهْرَ الْمِثْلِ فِي كُلِّ مَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ هِيَ الْفَاسِخَةَ، فَهِيَ الْمُخْتَارَةُ لِلْفُرْقَةِ فَكَأَنَّهَا أَتْلَفَتْ الْمُعَوِّضَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَسَقَطَ الْعِوَضُ، كَمَا لَوْ أَتْلَفَتْ الْمَبِيعَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ وَإِنْ كَانَ هُوَ الْفَاسِخَ بِعَيْبِهَا فَكَأَنَّهَا هِيَ الْفَاسِخَةُ. فَإِنْ قِيلَ: يَنْبَغِي إذَا كَانَ إسْلَامُهَا تَبَعًا لِإِسْلَامِ أَحَدِ أَبَوَيْهَا أَنَّ الْمَهْرَ يَجِبُ عَلَيْهِ لِإِفْسَادِهِ نِكَاحَ غَيْرِهِ، كَمَا يَجِبُ عَلَى الْمُرْضِعَةِ إذَا أَفْسَدَتْ بِرَضَاعِهَا النِّكَاحَ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْغُرْمُ لَنُفِّرَ عَنْ الْإِسْلَامِ بِخِلَافِ الْمُرْضِعَةِ، وَأَيْضًا الْمُرْضِعَةُ قَدْ تَأْخُذُ أُجْرَةَ رَضَاعِهَا فَيَنْجَبِرُ مَا تَغْرَمُهُ بِخِلَافِ الْمُسْلِمِ. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ إطْلَاقِ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا فَسْخَهُ بِعَيْبِهَا أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُقَارِنِ لِلْعَقْدِ وَالْحَادِثِ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَإِنْ قَيَّدَهُ الْمَاوَرْدِيُّ بِالْمُقَارِنِ وَجَعَلَ الْحَادِثَ كَالطَّلَاقِ.
المتن: وَمَا لَا كَطَلَاقٍ وَإِسْلَامِهِ وَرِدَّتِهِ وَلِعَانِهِ وَإِرْضَاعِ أُمِّهِ أَوْ أُمِّهَا يُشَطِّرُهُ.
الشَّرْحُ: (وَمَا لَا) أَيْ وَاَلَّتِي لَا يَكُونُ مِنْهَا وَلَا بِسَبَبِهَا (كَطَلَاقٍ) وَخُلْعٍ وَلَوْ بِاخْتِيَارِهَا كَأَنْ فَوَّضَ الطَّلَاقَ إلَيْهَا فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا أَوْ عَلَّقَهُ بِفِعْلِهَا فَفَعَلَتْ (وَإِسْلَامِهِ) وَلَوْ تَبَعًا (وَرِدَّتِهِ وَلِعَانِهِ وَإِرْضَاعِ أُمِّهِ) لَهَا (أَوْ) إرْضَاعِ (أُمِّهَا) لَهُ، وَهُوَ صَغِيرٌ (يُشَطِّرُهُ) أَيْ يُنَصِّفُ الْمَهْرَ. أَمَّا فِي الطَّلَاقِ فَلِآيَةِ: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} . وَأَمَّا الْبَاقِي فَبِالْقِيَاسِ عَلَيْهِ. تَنْبِيهَاتٌ: الْأَوَّلُ: قَوْلُهُ: كَطَلَاقٍ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: يَدْخُلُ فِيهِ الْبَائِنُ وَالرَّجْعِيُّ ا هـ. وَاعْتُرِضَ قَوْلُهُ: الرَّجْعِيُّ بِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا قَبْلَ الدُّخُولِ. وَأُجِيبَ بِتَصَوُّرِ الرَّجْعَةِ بِاسْتِدْخَالِهَا الْمَنِيَّ. الثَّانِي: فِي تَعْبِيرِهِ بِالْإِرْضَاعِ دُونَ الرَّضَاعِ إشَارَةٌ إلَى اعْتِبَارِ الْفِعْلِ، فَلَوْ دَبَّتْ زَوْجَتُهُ الصَّغِيرَةُ وَارْتَضَعَتْ أُمَّهُ لَمْ تَسْتَحِقَّ الشَّطْرَ لِانْفِسَاخِهِ بِفِعْلِهَا. الثَّالِثُ: ذَكَرَهُ الْإِمَامُ مِثَالًا لَا قَيْدًا، فَلَوْ أَرْضَعَتْ ابْنَتُهُ زَوْجَةً لَهُ صَغِيرَةً أَوْ أَرْضَعَتْ بِنْتُ زَوْجَةٍ زَوْجًا صَغِيرًا لَهَا كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ. الرَّابِعُ: سَكَتَ عَمَّا لَوْ ارْتَدَّا مَعًا، هَلْ هُوَ كَرِدَّتِهَا فَلَا يُشَطِّرُهُ أَوْ كَرِدَّتِهِ فَيُشَطِّرُهُ؟ وَجْهَانِ: صَحَّحَ الْأَوَّلَ الرُّويَانِيُّ وَالنَّشَائِيُّ وَالْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُمْ، وَصَحَّحَ الثَّانِيَ الْمُتَوَلِّي وَالْفَارِقِيُّ وَابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ وَغَيْرُهُمْ، وَهُوَ أَوْجَهُ، وَعِبَارَةُ الرَّافِعِيِّ فِي الْمُتْعَةِ: وَلَوْ ارْتَدَّا مَعًا فَفِي وُجُوبِهَا وَجْهَانِ كَالْوَجْهَيْنِ فِي التَّشْطِيرِ، وَالْأَصَحُّ الْمَنْعُ. فَهِمَ الزَّرْكَشِيُّ أَنَّ التَّصْحِيحَ رَاجِعٌ لِلْمَسْأَلَتَيْنِ. قَالَ شَيْخُنَا: وَالظَّاهِرُ رُجُوعُهُ لِلْمُتْعَةِ فَقَطْ، وَلِهَذَا عَبَّرَ الْقَمُولِيُّ بِقَوْلِهِ: وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا لَا تَجِبُ. فَإِنْ قِيلَ: لِمَ جَعَلْتُمْ عَيْبَهَا كَفَسْخِهَا لِكَوْنِهِ سَبَبَ الْفَسْخِ وَلَمْ تَجْعَلُوا عَيْبَهُ كَفَسْخِهِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الزَّوْجَ بَذَلَ الْعِوَضَ فِي مُقَابَلَةِ مَنَافِعِهَا، فَإِنْ كَانَتْ مَعِيبَةً فَالْفَسْخُ مِنْ مُقْتَضَى الْعَقْدِ إذْ لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ حَقُّهُ وَالزَّوْجَةُ لَمْ تَبْذُلْ شَيْئًا فِي مُقَابَلَةِ مَنَافِعِ الزَّوْجِ وَالْعِوَضُ الَّذِي مَلَكَتْهُ سَلِيمٌ، فَكَانَ مُقْتَضَاهُ أَنْ لَا فَسْخَ لَهَا إلَّا أَنَّ الشَّارِعَ أَثْبَتَ لَهَا الْفَسْخَ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهَا، فَإِذَا اخْتَارَتْهُ لَزِمَهَا رَدُّ الْبَدَلِ كَمَا لَوْ ارْتَدَّتْ وَشِرَاؤُهَا زَوْجَهَا يُسْقِطُ جَمِيعَ الْمَهْرِ. قَالَ الْكَمَالُ بْنُ أَبِي شَرِيفٍ: لِأَنَّهُ دَيْنٌ لَمْ يَقْبِضْهُ وَالسَّيِّدُ لَا يَثْبُتُ لَهُ عَلَى رَقِيقِهِ مَالٌ. أَمَّا إذَا كَانَ عَيْنًا أَوْ دَيْنًا وَقَبَضَتْهُ وَأَدَّاهُ الْعَبْدُ مِنْ كَسْبِهِ، أَوْ أَدَّاهُ عَنْهُ السَّيِّدُ مِنْ مَالٍ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ إلَى سَيِّدِهِ، وَلَوْ اشْتَرَاهَا تُشَطَّرُ، وَلَوْ طَلَّقَهَا عَلَى أَنْ لَا تَشْطِيرَ لَغَا الشَّرْطُ كَمَا لَوْ أَعْتَقَ وَنَفَى الْوَلَاءَ، وَخَرَجَ بِقَيْدِ الْحَيَاةِ الْفُرْقَةُ بِالْمَوْتِ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْمَوْتَ مُقَرِّرٌ لِلْمَهْرِ. وَمِنْ صُوَرِ الْمَوْتِ مَا لَوْ مُسِخَ أَحَدُهُمَا حَجَرًا، فَإِنْ مُسِخَ أَحَدُهُمَا حَيَوَانًا، فَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ وَكَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ، فَفِي التَّدْرِيبِ أَنَّهُ يَحْصُلُ الْفُرْقَةُ، وَلَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الْمَهْرِ، إذْ لَا يُتَصَوَّرُ عَوْدُهُ لِلزَّوْجِ لِانْتِفَاءِ أَهْلِيَّةِ تَمَلُّكِهِ وَلَا لِلْوَرَثَةِ لِأَنَّهُ حَيٌّ فَيَبْقَى لِلزَّوْجَةِ. قَالَ: وَيُحْتَمَلُ تَنْزِيلُ مَسْخِهِ حَيَوَانًا بِمَنْزِلَةِ الْمَوْتِ ا هـ. وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ، وَلَكِنَّ قَوْلَهُ: فَيَبْقَى لِلزَّوْجَةِ، الْأَوْجَهُ أَنْ يَكُونَ نِصْفُهُ تَحْتَ يَدِ الْحَاكِمِ حَتَّى يَمُوتَ الزَّوْجُ فَيُعْطَى لِوَارِثِهِ أَوْ يَرُدَّهُ إلَيْهِ كَمَا كَانَ فَيُعْطَى لَهُ. قَالَ: وَإِنْ مُسِخَتْ الزَّوْجَةُ حَيَوَانًا حَصَلَتْ الْفُرْقَةُ مِنْ جِهَتِهَا وَعَادَ كُلُّ الْمَهْرِ لِلزَّوْجِ ا هـ. وَهَذَا ظَاهِرٌ. وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِهِ مَا لَوْ زَوَّجَ أَمَتَهُ بِعَبْدِهِ ثُمَّ أَعْتَقَهُمَا أَوْ أَحَدَهُمَا ثُمَّ طَلَّقَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا تَشْطِيرَ، إذْ لَا مَهْرَ، وَلَا يَرُدُّ قَتْلُ الزَّوْجَةِ الْحُرَّةِ نَفْسَهَا أَوْ الزَّوْجِ نَفْسَهُ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ هُنَا ارْتِفَاعُ النِّكَاحِ مَعَ بَقَائِهِمَا. نَعَمْ يُرَدُّ عَلَيْهِ إذَا كَانَتْ الْفُرْقَةُ مِنْ مَالِكِهَا إذَا كَانَتْ أَمَةً فَإِنَّهُ يَسْقُطُ الْمَهْرُ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْهُمَا وَلَا بِسَبَبِهَا كَمَا إذَا كَانَتْ الْأَمَةُ زَوْجَةَ أَصْلٍ أَوْ فَرْعٍ فَوَطِئَهَا مَالِكُهَا أَوْ رَضَعَتْ الْمَالِكَةُ أَمَتَهَا الْمُزَوَّجَةَ الرَّقِيقَ.
المتن: ثُمَّ قِيلَ: مَعْنَى التَّشْطِيرِ أَنَّ لَهُ خِيَارَ الرُّجُوعِ، وَالصَّحِيحُ عَوْدُهُ بِنَفْسِ الطَّلَاقِ، فَلَوْ زَادَ بَعْدَهُ فَلَهُ.
الشَّرْحُ: (ثُمَّ قِيلَ: مَعْنَى التَّشْطِيرِ أَنَّ لَهُ) أَيْ الزَّوْجِ (خِيَارَ الرُّجُوعِ) فِي النِّصْفِ إنْ شَاءَ رَجَعَ فِيهِ وَتَمَلَّكَهُ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ كَالشَّفِيعِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي الْمِلْكِ بِغَيْرِ اخْتِيَارٍ سِوَى الْإِرْثِ، وَهَذَا الْخِيَارُ عَلَى التَّرَاخِي كَمَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ حَيْثُ جَعَلَهُ كَخِيَارِ الْوَاهِبِ (وَالصَّحِيحُ عَوْدُهُ) أَيْ نِصْفِ الصَّدَاقِ الْمُعَيَّنِ إلَى الزَّوْجِ (بِنَفْسِ الطَّلَاقِ) لِظَاهِرِ الْآيَةِ السَّابِقَةِ هَذَا إنْ دَفَعَهُ الزَّوْجُ أَوْ وَلِيُّهُ مِنْ أَبٍ أَوْ جَدٍّ عَنْهُ وَهُوَ صَغِيرٌ أَوْ مَجْنُونٌ أَوْ سَفِيهٌ وَإِلَّا فَيَعُودُ إلَى الْمُؤَدِّي وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ الْمَتْنِ أَنَّهُ يَعُودُ لِلزَّوْجِ مُطْلَقًا. وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إنَّهُ الَّذِي أَوْرَدَهُ أَكْثَرُ الْعِرَاقِيِّينَ، وَغَيْرُ الطَّلَاقِ مِنْ الصُّوَرِ السَّابِقَةِ كَالطَّلَاقِ. وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ مَا إذَا سَلَّمَ الْعَبْدُ الصَّدَاقَ مِنْ كَسْبِهِ أَوْ أَدَّاهُ السَّيِّدُ مِنْ مَالِهِ ثُمَّ طَلَّقَ قَبْلَ الدُّخُولِ، فَإِنَّ النِّصْفَ يَعُودُ إلَى السَّيِّدِ، وَلَوْ بَاعَهُ أَوْ أَعْتَقَهُ ثُمَّ طَلَّقَ فَالْعَائِدُ لِلْمُشْتَرِي فِي الْأُولَى، وَلِلْعَتِيقِ فِي الثَّانِيَةِ. أَمَّا إذَا كَانَ الصَّدَاقُ دَيْنًا فَعَلَى الصَّحِيحِ يَسْقُطُ نِصْفُهُ بِالطَّلَاقِ، وَعَلَى مُقَابِلِهِ بِالِاخْتِيَارِ، وَلَوْ أَدَّى الدَّيْنَ وَالْمُؤَدَّى بَاقٍ تَعَيَّنَ حَقُّهُ فِي نِصْفِهِ، هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَحْصُلْ فِي الصَّدَاقِ نَقْصٌ وَلَا زِيَادَةٌ (فَلَوْ زَادَ بَعْدَهُ) أَيْ الطَّلَاقِ أَوْ مَا ذُكِرَ مَعَهُ (فَلَهُ) أَيْ الزَّوْجِ كُلُّ الزِّيَادَةِ إذَا عَادَ إلَيْهِ كُلُّ الصَّدَاقِ أَوْ نِصْفُهَا إذَا عَادَ إلَيْهِ النِّصْفُ لِحُدُوثِهَا فِي مِلْكِهِ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ مُتَّصِلَةً أَمْ مُنْفَصِلَةً، فَإِنْ نَقَصَ بَعْدَ الْفِرَاقِ وَلَوْ بِلَا عُدْوَانٍ وَكَانَ بَعْدَ قَبْضِهِ فَلَهُ كُلُّ الْأَرْشِ أَوْ نِصْفُهُ، فَإِنْ ادَّعَتْ حُدُوثَ النَّقْصِ قَبْلَ الطَّلَاقِ صُدِّقَتْ بِيَمِينِهَا، ثُمَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِيمَا إذَا تَغَيَّرَ الصَّدَاقُ بَعْدَ الطَّلَاقِ، وَأَشَارَ إلَى تَغْيِيرِهِ قَبْلَهُ بِقَوْلِهِ.
المتن: وَإِنْ طَلَّقَ وَالْمَهْرُ تَالِفٌ فَنِصْفُ بَدَلِهِ مِنْ مِثْلٍ أَوْ قِيمَةٍ.
الشَّرْحُ: (وَإِنْ) فَارَقَ لَا بِسَبَبِهَا كَأَنْ (طَلَّقَ وَالْمَهْرُ تَالِفٌ) بَعْدَ قَبْضِهِ (فَنِصْفُ بَدَلِهِ) لَهُ (مِنْ مِثْلٍ) فِي الْمِثْلِيِّ (أَوْ قِيمَةٍ) فِي الْمُتَقَوِّمِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ بَاقِيًا لَأَخَذَ نِصْفَهُ، فَإِذَا فَاتَ رَجَعَ بِنِصْفِ بَدَلِهِ كَمَا فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ. تَنْبِيهٌ: التَّعْبِيرُ بِنِصْفِ الْقِيمَةِ. قَالَ الْإِمَامُ: فِيهِ تَسَاهُلٌ، وَإِنَّمَا هُوَ قِيمَةُ النِّصْفِ، وَهِيَ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ، وَمَالَ إلَيْهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَالسُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُمَا، وَقَدْ نَبَّهَ الْأَذْرَعِيُّ عَلَى أَنَّ الشَّافِعِيَّ وَالْجُمْهُورَ قَدْ عَبَّرُوا بِكُلٍّ مِنْ الْعِبَارَتَيْنِ، وَهَذَا مِنْهُمْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مُؤَدَّاهُمَا عِنْدَهُمْ وَاحِدٌ بِأَنْ يُرَادَ بِنِصْفِ الْقِيمَةِ نِصْفُ قِيمَةِ كُلٍّ مِنْ النِّصْفَيْنِ مُنْفَرِدًا لَا مُنْضَمًّا إلَى الْآخَرِ فَيَرْجِعُ بِقِيمَةِ النِّصْفِ، أَوْ بِأَنْ يُرَادَ بِقِيمَةِ النِّصْفِ قِيمَتُهُ مُنْضَمًّا لَا مُنْفَرِدًا فَيَرْجِعُ بِنِصْفِ الْقِيمَةِ، وَهُوَ مَا صَوَّبَهُ فِي الرَّوْضَةِ هُنَا رِعَايَةً لِلزَّوْجِ كَمَا رُوعِيَتْ الزَّوْجَةُ فِي ثُبُوتِ الْخِيَارِ لَهَا فِيمَا يَأْتِي، وَإِنْ كَانَ الْمَهْرُ بَاقِيًا بِحَالِهِ فَلَيْسَ لَهَا إبْدَالُهُ وَإِنْ أَدَّاهُ عَمَّا فِي ذِمَّتِهِ إلَّا بِرِضَاهُ.
المتن: وَإِنْ تَعَيَّبَ فِي يَدِهَا، فَإِنْ قَنِعَ بِهِ وَإِلَّا فَنِصْفُ قِيمَتِهِ سَلِيمًا، وَإِنْ تَعَيَّبَ قَبْلَ قَبْضِهَا فَلَهُ نِصْفُهُ نَاقِصًا بِلَا خِيَارٍ، فَإِنْ عَابَ بِجِنَايَةٍ وَأَخَذَتْ أَرْشَهَا فَالْأَصَحُّ أَنَّ لَهُ نِصْفَ الْأَرْشِ.
الشَّرْحُ: (وَإِنْ تَعَيَّبَ فِي يَدِهَا) قَبْلَ الْفِرَاقِ (فَإِنْ قَنِعَ) الزَّوْجُ (بِهِ) أَيْ النِّصْفِ مَعِيبًا، فَلَا أَرْشَ لَهُ كَمَا لَوْ تَعَيَّبَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْبَائِعِ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَقْنَعْ بِهِ، فَإِنْ كَانَ مُتَقَوِّمًا (فَنِصْفُ قِيمَتِهِ سَلِيمًا) وَإِنْ كَانَ مِثْلِيًّا فَمِثْلُ نِصْفِهِ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الرِّضَا بِالْمَعِيبِ فَلَهُ الْعُدُولُ إلَى بَدَلِهِ (وَإِنْ تَعَيَّبَ) بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ (قَبْلَ قَبْضِهَا) لَهُ وَقَنِعَتْ بِهِ (فَلَهُ نِصْفُهُ نَاقِصًا بِلَا) أَرْشٍ وَلَا (خِيَارٍ) لِأَنَّهُ حَالَةَ نَقْصِهِ كَانَ مِنْ ضَمَانِهِ (فَإِنْ عَابَ) بِأَنْ صَارَ ذَا عَيْبٍ (بِجِنَايَةٍ) مِنْ أَجْنَبِيٍّ تَضْمَنُ جِنَايَتَهُ (وَأَخَذَتْ أَرْشَهَا) أَوْ عَفَّتْ عَنْ أَخْذِهِ قِيَاسًا عَلَى مَا قَالُوهُ فِي هِبَةِ الصَّدَاقِ (فَالْأَصَحُّ أَنَّ لَهُ نِصْفَ الْأَرْشِ) مَعَ نِصْفِ الْعَيْنِ لِأَنَّهُ بَدَلُ الْفَائِتِ. وَالثَّانِي: لَا شَيْءَ لَهُ مِنْ الْأَرْشِ كَالزِّيَادَةِ الْمُنْفَصِلَةِ، فَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ مِنْ الزَّوْجِ أَوْ مِنْهَا أَوْ مِنْ أَجْنَبِيٍّ لَا يَضْمَنُ، فَلَا يَخْفَى حُكْمُهُ مِمَّا سَبَقَ أَوَّلَ كِتَابِ الصَّدَاقِ فِي إتْلَافِ جَمِيعِهِ. تَنْبِيهٌ: لَوْ تَلِفَ الْبَعْضُ فِي يَدِهَا كَأَحَدِ الثَّوْبَيْنِ أَخَذَتْ نِصْفَ الْمَوْجُودِ وَنِصْفَ بَدَلِ الْمَفْقُودِ.
المتن: وَلَهَا زِيَادَةٌ مُنْفَصِلَةٌ، وَلَهَا خِيَارٌ فِي مُتَّصِلَةٍ، فَإِنْ شَحَّتْ فَنِصْفُ قِيمَةٍ بِلَا زِيَادَةٍ، وَإِنْ سَمَحَتْ لَزِمَهُ الْقَبُولُ.
الشَّرْحُ: (وَلَهَا زِيَادَةٌ مُنْفَصِلَةٌ) حَدَثَتْ بَعْدَ الْإِطْلَاقِ كَثَمَرَةٍ وَوَلَدٍ وَأُجْرَةٍ لِأَنَّهَا حَدَثَتْ فِي مِلْكِهَا، وَالطَّلَاقُ إنَّمَا يَقْطَعُ مِلْكَهَا مِنْ حِينِ وُجُودِهِ لَا مِنْ أَصْلِهِ، وَسَوَاءٌ أَحَدَثَتْ فِي يَدِهِ أَمْ يَدِهَا، وَيَخْتَصُّ الرُّجُوعُ بِنِصْفِ الْأَصْلِ. نَعَمْ إنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ وَلَدَ أَمَةٍ لَمْ يُمَيِّزْ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَإِنْ رَضِيَتْ الزَّوْجَةُ، بَلْ يَرْجِعُ بِقِيمَةِ نِصْفِ الْأَمَةِ لِحُرْمَةِ التَّفْرِيقِ، فَإِنْ كَانَ مُمَيِّزًا أَخَذَ نِصْفَهَا، فَإِنْ نَقَصَتْ قِيمَتُهَا بِالْوِلَادَةِ فِي يَدِهَا فَلَهُ الْخِيَارُ، أَوْ فِي يَدِهِ أَخَذَ نِصْفَهَا نَاقِصًا، فَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ حَمْلًا عِنْدَ الْإِصْدَاقِ رَجَعَ فِي نِصْفِهِ إنْ رَضِيَتْ مَعَ نِصْفِ الْأُمِّ، وَإِلَّا فَقِيمَةُ نِصْفِهِ يَوْمَ الِانْفِصَالِ مَعَ قِيمَةِ نِصْفِهَا (وَلَهَا خِيَارٌ فِي) زِيَادَةٍ (مُتَّصِلَةٍ) كَسِمَنٍ وَتَعَلُّمِ حِرْفَةٍ، وَلَيْسَ خِيَارُهَا فَوْرًا، بَلْ إنْ طَلَبَهُ الزَّوْجُ كُلِّفَتْ فَوْرًا اخْتِيَارَ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ، وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (فَإِنْ شَحَّتْ) فِيهَا (فَنِصْفُ قِيمَةٍ) لِلْمَهْرِ بِأَنْ يُقَوَّمَ بِغَيْرِ زِيَادَةٍ، وَيُعْطَى الزَّوْجُ نِصْفَهُ (بِلَا زِيَادَةٍ) عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ غَيْرُ مَفْرُوضَةٍ، وَلَا يُمْكِنُ الرَّدُّ دُونَهَا، فَجُعِلَ الْمَفْرُوضُ كَالْهَالِكِ (وَإِنْ سَمَحَتْ) بِهَا (لَزِمَهُ الْقَبُولُ) لِلزِّيَادَةِ، وَلَيْسَ لَهُ طَلَبُ بَدَلِ النِّصْفِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ مَعَ زِيَادَةٍ لَا تَتَمَيَّزُ وَلَا تُفْرَدُ بِالتَّصَرُّفِ، بَلْ هِيَ تَابِعَةٌ، فَلَا تَعْظُمُ فِيهَا الْمِنَّةُ. تَنْبِيهٌ: الزِّيَادَةُ الْمُتَّصِلَةُ لَا أَثَرَ لَهَا فِي سَائِرِ الْأَبْوَابِ إلَّا هُنَا، وَفَرَّقُوا بِفُرُوقٍ. مِنْهَا أَنَّ الزَّوْجَ مُتَّهَمٌ بِالطَّلَاقِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ. وَمِنْهَا، وَهُوَ الَّذِي عَوَّلَ عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ: أَنَّ هَذَا الْعَوْدَ ابْتِدَاءُ تَمَلُّكٍ لَا فَسْخٌ، بِخِلَافِ الْعَوْدِ فِي غَيْرِ الصَّدَاقِ فَإِنَّهُ فَسْخٌ، وَهُوَ يَرْفَعُ الْعَقْدَ مِنْ أَصْلِهِ أَوْ حِينِهِ، فَإِنْ رَفَعَ مِنْ أَصْلِهِ فَكَأَنْ لَا عَقْدَ، أَوْ مِنْ حِينِهِ فَالْفَسْخُ شَبِيهٌ بِالْعَقْدِ، وَالزِّيَادَةُ تَتْبَعُ الْأَصْلَ فِي الْعَقْدِ، فَكَذَا فِي الْفَسْخِ، وَلِكَوْنِ الْعَوْدِ هُنَا ابْتِدَاءَ تَمْلِيكٍ لَا فَسْخًا. لَوْ أَمْهَرَ الْعَبْدُ مِنْ كَسْبِهِ ثُمَّ عَتَقَ ثُمَّ طَلَّقَ عَادَ الشَّطْرُ إلَيْهِ، لَا إلَى السَّيِّدِ، وَلَوْ كَانَ عَلَى سَبِيلِ الْفَسْخِ لَعَادَ إلَى الَّذِي خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ، وَقَضِيَّةُ هَذَا الْفَرْقِ: أَنَّهُمَا لَوْ تَقَايَلَا فِي الصَّدَاقِ أَوْ رُدَّ بِعَيْبٍ أَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى الزَّوْجِ بِزِيَادَتِهِ، وَإِطْلَاقُهُمْ يُنَافِيهِ.
المتن: وَإِنْ زَادَ وَنَقَصَ كَكِبَرِ عَبْدٍ وَطُولِ نَخْلَةٍ وَتَعَلُّمِ صَنْعَةٍ مَعَ بَرَصٍ، فَإِنْ اتَّفَقَا بِنِصْفِ الْعَيْنِ، وَإِلَّا فَنِصْفُ قِيمَةٍ، وَزِرَاعَةُ الْأَرْضِ نَقْصٌ، وَحَرْثُهَا زِيَادَةٌ، وَحَمْلُ أَمَةٍ وَبَهِيمَةٍ زِيَادَةٌ وَنَقْصٌ. وَقِيلَ: الْبَهِيمَةُ زِيَادَةٌ، وَإِطْلَاعُ نَخْلٍ زِيَادَةٌ مُتَّصِلَةٌ.
الشَّرْحُ: (وَإِنْ زَادَ) الْمَهْرُ (وَنَقَصَ) إمَّا بِسَبَبٍ وَاحِدٍ (كَكِبَرِ عَبْدٍ) بِحَيْثُ تَنْقُصُ قِيمَتُهُ (وَطُولِ نَخْلَةٍ) بِحَيْثُ يُؤَدِّي إلَى هَرَمِهَا وَقِلَّةِ ثَمَرِهَا، فَالنَّقْصُ فِي الْعَبْدِ مِنْ حَيْثُ الْقِيمَةُ؛ لِأَنَّ الصَّغِيرَ يَدْخُلُ عَلَى النِّسَاءِ وَلَا يَعْرِفُ الْغَوَائِلَ وَيَقْبَلُ التَّأْدِيبَ وَالرِّيَاضَةَ وَالزِّيَادَةُ فِيهِ بِأَنَّهُ أَقْوَى عَلَى الشَّدَائِدِ وَالْأَسْفَارِ وَأَحْفَظُ لِمَا يُسْتَحْفَظُ، وَالنَّقْصُ فِي النَّخْلَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّ ثَمَرَتَهَا تَقِلُّ، فَإِنْ لَمْ تَقِلَّ فَطُولُهَا زِيَادَةٌ مَحْضَةٌ، وَالزِّيَادَةُ فِيهَا بِكَثْرَةِ الْحَطَبِ (وَ) إمَّا بِسَبَبَيْنِ نَحْوِ (تَعَلُّمِ صَنْعَةٍ) مَقْصُودَةٍ فِي الْعَبْدِ (مَعَ) عَيْبٍ نَحْوِ (بَرَصٍ) وَعَوَرٍ (فَإِنْ اتَّفَقَا) أَيْ الزَّوْجَانِ عَلَى الرُّجُوعِ (بِنِصْفِ الْعَيْنِ) فَذَاكَ لِأَنَّ الْحَقَّ لَا يَعْدُوهُمَا (وَإِلَّا فَنِصْفُ قِيمَةٍ) لِلْعَيْنِ خَالِيَةٍ عَنْ الزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ؛ لِأَنَّهُ الْعَدْلُ وَلَا تُجْبَرُ هِيَ عَلَى دَفْعِ نِصْفِ الْعَيْنِ لِلزِّيَادَةِ وَلَا هُوَ عَلَى قَبُولِهِ لِلنَّقْصِ (وَزِرَاعَةُ الْأَرْضِ نَقْصٌ) مَحْضٌ لِأَنَّهَا تَسْتَوْفِي قُوَّةَ الْأَرْضِ غَالِبًا، فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى رَدِّ نِصْفِ الْعَيْنِ وَتَرْكِ الزَّرْعِ إلَى الْحَصَادِ فَذَاكَ، قَالَهُ الْإِمَامُ وَعَلَيْهِ إبْقَاؤُهُ بِلَا أُجْرَةٍ؛ لِأَنَّهَا زَرَعَتْ مِلْكَهَا الْخَالِصَ وَإِنْ لَمْ يَتَّفِقَا رَجَعَ بِنِصْفِ قِيمَةِ الْأَرْضِ بِلَا زِرَاعَةٍ (وَحَرْثُهَا) إذَا كَانَتْ مُعَدَّةً لِلزِّرَاعَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ (زِيَادَةٌ) لِأَنَّهُ هَيَّأَهَا لِلزَّرْعِ الْمُعَدَّةِ لَهُ، أَمَّا الْمُعَدَّةُ لِلْبِنَاءِ فَحَرْثُهَا نَقْصٌ لِأَنَّهُ يُشَعِّثُهَا، فَإِنْ رَضِيَ الزَّوْجُ بِالنَّاقِصَةِ أُجْبِرَتْ عَلَى تَسْلِيمِهَا لَهُ لِأَنَّهَا دُونَ حَقِّهِ. فَإِنْ قِيلَ: لِمَ أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ ذَلِكَ مَعَ أَنَّ التَّقْيِيدَ فِي الْمُحَرَّرِ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا أَطْلَقَ لِقَرِينَةِ تَقَدُّمِ الزَّرْعِ فَأَشْعَرَ بِأَنَّ الْكَلَامَ فِي أَرْضٍ لِلزِّرَاعَةِ (وَحَمْلُ أَمَةٍ وَبَهِيمَةٍ زِيَادَةٌ) لِتَوَقُّعِ الْوَلَدِ (وَنَقْصٌ) لِلضَّعْفِ حَالًا وَخَوْفِ الْمَوْتِ مَآلًا وَلِرَدَاءَةِ لَحْمِ الْبَهِيمَةِ الْمَأْكُولَةِ، وَلِهَذَا رَجَّحَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهَا لَا تُجْزِئُ فِي أُضْحِيَّةٍ (وَقِيلَ الْبَهِيمَةُ) أَيْ حَمْلُهَا (زِيَادَةٌ) مَحْضَةٌ لِانْتِفَاءِ خَطَرِ الْوِلَادَةِ فِيهَا غَالِبًا بِخِلَافِ الْإِمَاءِ. تَنْبِيهٌ: لَوْ أَصْدَقَهَا حَائِلًا فَحَمَلَتْ فِي يَدِهِ وَوَلَدَتْ فِي يَدِهَا وَنَقَصَتْ قِيمَتُهَا بِالْوِلَادَةِ، فَهَلْ النَّقْصُ مِنْ ضَمَانِهِ وَلَهَا الْخِيَارُ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ وُجِدَ فِي يَدِهِ أَوْ مِنْ ضَمَانِهَا وَلَهُ الْخِيَارُ؛ لِأَنَّ النَّقْصَ حَصَلَ عِنْدَهَا؟ وَجْهَانِ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: لَا يَخْفَى نَظَائِرُهَا أَيْ كَقَتْلِ الْمَبِيعِ بِرِدَّةٍ سَابِقَةٍ عَلَى قَبْضِهِ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ مِنْ ضَمَانِهِ (وَإِطْلَاعُ نَخْلٍ) أَيْ لَمْ يُؤَبَّرْ بَعْدَ الْإِصْدَاقِ (زِيَادَةٌ مُتَّصِلَةٌ) أَيْ كَالْمُتَّصِلَةِ فَتَمْنَعُ الزَّوْجَ مِنْ الرُّجُوعِ الْقَهْرِيِّ لِحُدُوثِهِ فِي مِلْكِهَا، فَإِنْ رَضِيَتْ الزَّوْجَةُ بِأَخْذِ الزَّوْجِ نِصْفَ النَّخْلِ مَعَ الطَّلْعِ أُجْبِرَ عَلَيْهِ كَالسَّمْنِ فِي الْبَهِيمَةِ بِخِلَافِ الثَّمَرَةِ الْمُؤَبَّرَةِ كَمَا سَيَأْتِي.
المتن: وَإِنْ طَلَّقَ وَعَلَيْهِ ثَمَرٌ مُؤَبَّرٌ لَمْ يَلْزَمْهَا قَطْفُهُ، فَإِنْ قَطَفَتْ تَعَيَّنَ نِصْفُ النَّخْلِ، وَلَوْ رَضِيَ بِنِصْفِ النَّخْلِ وَتَبْقِيَةِ الثَّمَرِ إلَى جِدَادِهِ أُجْبِرَتْ فِي الْأَصَحِّ، وَيَصِيرُ النَّخْلُ فِي يَدِهَا، وَلَوْ رَضِيَتْ بِهِ فَلَهُ الِامْتِنَاعُ وَالْقِيمَةُ.
الشَّرْحُ: (وَإِنْ طَلَّقَ وَعَلَيْهِ) أَيْ النَّخْلِ الْمُصْدَقِ (ثَمَرٌ) حَدَثَ طَلْعُهُ بَعْدَ الْإِصْدَاقِ (مُؤَبَّرٌ) بِأَنْ تَشَقَّقَ طَلْعُهُ (لَمْ يَلْزَمْهَا قَطْفُهُ) أَيْ قَطْعُهُ لِيَرْجِعَ الزَّوْجُ فِي نِصْفِ النَّخْلِ؛ لِأَنَّهُ حَدَثَ فِي مِلْكِهَا فَتَسْتَحِقُّ إبْقَاءَهُ إلَى الْجِدَادِ، وَلَوْ طَلَّقَ بَعْدَ وَقْتِ جِدَادِ الثَّمَرَةِ لَزِمَهَا قَطْعُهُ لِيَأْخُذَ نِصْفَ الشَّجَرِ، وَكَذَا لَوْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِقَطْعِهِ أَخْضَرَ كَالْحِصْرِمِ كَمَا يُفْهِمُهُ إطْلَاقُهُمْ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَفِيهِ احْتِمَالٌ ظَاهِرٌ (فَإِنْ قَطَفَتْ) أَوْ قَالَتْ لَهُ: ارْجِعْ وَأَنَا أَقْطَعُهُ عَنْ النَّخْلِ (تَعَيَّنَ نِصْفُ النَّخْلِ) إنْ لَمْ يَحْصُلُ نَقْصٌ بِقَطْعِهِ كَكَسْرِ غُصْنٍ وَلَمْ يَمْتَدَّ زَمَنُ قَطْعِهِ لِزَوَالِ الْمَانِعِ (وَلَوْ رَضِيَ) الزَّوْجُ (بِنِصْفِ النَّخْلِ وَتَبْقِيَةِ الثَّمَرِ إلَى جِدَادِهِ أُجْبِرَتْ فِي الْأَصَحِّ، وَيَصِيرُ النَّخْلُ) بَعْدَ إجْبَارِهَا (فِي يَدِهَا) كَسَائِرِ الْأَمْلَاكِ الْمُشْتَرَكَةِ، إذْ لَا ضَرَرَ عَلَيْهَا فِي ذَلِكَ. وَالثَّانِي: لَا تُجْبَرُ، وَرَجَّحَهُ جَمْعٌ، وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إنَّهُ الْأَصَحُّ أَوْ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ قَدْ يَمْنَعُهَا السَّقْيَ إنْ أَرَادَتْهُ لِتَنْمِيَةِ الثَّمَرَةِ عِنْدَ إضْرَارِهِ بِالشَّجَرِ. تَنْبِيهٌ: مُرَادُ الْمُصَنِّفِ مَا إذَا قَبَضَ النِّصْفَ شَائِعًا بِحَيْثُ بَرِئَتْ مِنْ ضَمَانِهِ، فَلَوْ قَالَ: أَنَا أَرْضَى بِنِصْفِ النَّخْلِ وَأُؤَخِّرُ الرُّجُوعَ إلَى بَعْدِ الْجِدَادِ فَلَهَا الِامْتِنَاعُ، وَإِنْ أَبْرَأَهَا عَنْ الضَّمَانِ، بِأَنْ قَالَ أَرْجِعُ وَيَكُونُ نَصِيبِي وَدِيعَةً عِنْدَك، وَقَدْ أَبْرَأْتُك مِنْ ضَمَانٍ لِأَنَّ نَصِيبَهُ يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهَا، وَلَا عِبْرَةَ بِالْإِبْرَاءِ الْمَذْكُورِ؛ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ مِنْ ضَمَانِ الْعَيْنِ مَعَ بَقَائِهَا بَاطِلٌ (وَلَوْ رَضِيَتْ بِهِ) أَيْ بِمَا ذُكِرَ مِنْ أَخْذِ الزَّوْجِ نِصْفَ النَّخْلِ وَتَبْقِيَةِ الثَّمَرِ إلَى جَدَادِهِ (فَلَهُ الِامْتِنَاعُ) مِنْهُ وَلَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ (وَ) لَهُ (الْقِيمَةُ) أَيْ طَلَبُهَا؛ لِأَنَّ حَقَّهُ يَثْبُتُ مُعَجَّلًا فَلَا يُؤَخَّرُ إلَّا بِرِضَاهُ، وَالتَّأْخِيرُ بِالتَّرَاضِي جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمَا وَلَا يَلْزَمُ فَلَوْ بَدَا لِأَحَدِهِمَا الرُّجُوعُ عَمَّا رَضِيَ بِهِ جَازَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ وَعْدٌ لَا يُلْزَمُ، وَلَوْ وَهَبَتْهُ نِصْفَ الثِّمَارِ لِيَشْتَرِكَا فِي الشَّجَرِ وَالثَّمَرِ هَلْ يُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ أَوْ لَا؟ وَجْهَانِ. قَالَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ: أَصَحُّهُمَا الْأَوَّلُ. فَرْعٌ: لَوْ أَصْدَقَهَا نَخْلَةً مَعَ ثَمَرَتِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَلَمْ يَزِدْ الصَّدَاقُ رَجَعَ فِي نِصْفِ الْجَمِيعِ، وَإِنْ قُطِعَتْ الثَّمَرَةُ لِأَنَّ الْجَمِيعَ صَدَاقٌ، وَيَرْجِعُ أَيْضًا فِي نِصْفِ الْكُلِّ مَنْ أَصْدَقَ نَخْلَةً مُطْلِعَةً وَطَلَّقَ وَهِيَ مُطْلِعَةٌ، فَإِنْ أُبِّرَتْ ثُمَّ طَلَّقَ رَجَعَ فِي نِصْفِ الشَّجَرَةِ، وَكَذَا فِي نِصْفِ الثَّمَرَةِ إنْ رَضِيَتْ؛ لِأَنَّهَا قَدْ زَادَتْ، وَإِلَّا أَخَذَ نِصْفَ الشَّجَرَةِ مَعَ نِصْفِ قِيمَةِ الطَّلْعِ. تَنْبِيهٌ: تَنَاثُرُ نَوْرِ الشَّجَرِ وَظُهُورُ مَا يَبْرُزُ بِلَا نَوْرٍ كَالتَّأْبِيرِ.
المتن: وَمَتَى ثَبَتَ خِيَارٌ لَهُ أَوْ لَهَا لَمْ يَمْلِكْ نِصْفَهُ حَتَّى يَخْتَارَ ذُو الِاخْتِيَارِ.
الشَّرْحُ: (وَمَتَى ثَبَتَ خِيَارٌ لَهُ) بِسَبَبِ نَقْصِ الصَّدَاقِ (أَوْ لَهَا) بِسَبَبِ زِيَادَتِهِ، أَوْ لَهُمَا بِاجْتِمَاعِ الْأَمْرَيْنِ (لَمْ يَمْلِكْ نِصْفَهُ حَتَّى يَخْتَارَ ذُو) أَيْ صَاحِبُ (الِاخْتِيَارِ) إنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا وَإِنْ كَانَ لَهُمَا اُعْتُبِرَ تَوَافُقُهُمَا. تَنْبِيهٌ: قَدْ سَبَقَ أَنَّ هَذَا الِاخْتِيَارَ لَيْسَ عَلَى الْفَوْرِ، لَكِنْ إذَا طَلَبَهُ الزَّوْجُ كُلِّفَتْ الزَّوْجَةُ اخْتِيَارَ أَحَدِهِمَا، وَلَا يُعَيِّنُ الزَّوْجُ فِي طَلَبِهِ عَيْنًا وَلَا قِيمَةً؛ لِأَنَّ التَّعْيِينَ يُنَاقِضُ تَفْوِيضَ الْأَمْرِ إلَيْهَا بَلْ يُطَالِبُهَا بِحَقِّهِ عِنْدَهَا. فَإِنْ امْتَنَعَتْ مِنْ الِاخْتِيَارِ لَمْ تُحْبَسْ وَنُزِعَتْ مِنْهَا الْعَيْنُ، فَإِنْ أَصَرَّتْ بِيعَ مِنْهَا بِقَدْرِ الْوَاجِبِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ بِيعَ الْجَمِيعُ وَتُعْطَى الزَّائِدَ، وَإِنْ اسْتَوَى نِصْفُ الْعَيْنِ وَنِصْفُ الْقِيمَةِ أُعْطِيَ نِصْفَ الْعَيْنِ، وَمَتَى اسْتَحَقَّ الرُّجُوعَ فِي الْعَيْنِ اسْتَقَلَّ بِهِ.
المتن: وَمَتَى رَجَعَ بِقِيمَةٍ اُعْتُبِرَ الْأَقَلُّ مِنْ يَوْمَيْ الْإِصْدَاقِ وَالْقَبْضِ.
الشَّرْحُ: (وَمَتَى رَجَعَ بِقِيمَةِ) الْمَهْرِ فِي الْمُتَقَوِّمِ لِهَلَاكِ الصَّدَاقِ أَوْ غَيْرِهِ (اُعْتُبِرَ الْأَقَلُّ مِنْ) قِيمَةِ الْمَهْرِ (يَوْمَيْ الْإِصْدَاقِ وَالْقَبْضِ) لِأَنَّ قِيمَتَهُ يَوْمَ الْإِصْدَاقِ إنْ كَانَتْ أَقَلَّ فَالزِّيَادَةُ بَعْدَ ذَلِكَ حَدَثَتْ فِي مِلْكِهَا لَا تَعَلُّقَ لِلزَّوْجِ بِهَا فَلَا تَضْمَنُهَا، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ يَوْمِ الْقَبْضِ أَقَلَّ فَمَا نَقَصَ قَبْلَ ذَلِكَ فَهُوَ مِنْ ضَمَانِهِ فَلَا رُجُوعَ بِهِ عَلَيْهَا. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمَتْنِ كَالرَّوْضَةِ عَدَمُ اعْتِبَارِ الْحَالَةِ الْمُتَوَسِّطَةِ، وَقِيَاسُ مَا مَرَّ فِي الْبَيْعِ وَالثَّمَنِ اعْتِبَارُ الْأَقَلِّ بَيْنَ الْيَوْمَيْنِ أَيْضًا وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ التَّعْلِيلِ وَمِنْ تَعْبِيرِ التَّنْبِيهِ وَغَيْرِهِ بِالْأَقَلِّ مِنْ يَوْمِ الْعَقْدِ إلَى يَوْمِ الْقَبْضِ وَنُقِلَ عَنْ النَّصِّ أَنَّ الْوَاجِبَ قِيمَةُ يَوْمِ الْقَبْضِ، وَزَعَمَ الْإِسْنَوِيُّ أَنَّهُ الْمُفْتَى بِهِ. وَأَجَابَ غَيْرُهُ بِأَنَّ النَّصَّ مَفْرُوضٌ فِي الزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ الْحَاصِلَيْنِ بَيْنَ الْقَبْضِ وَالتَّلَفِ، وَالْكَلَامُ هُنَا مَفْرُوضٌ فِي الْحَاصِلِ مِنْ ذَلِكَ بَيْنَ الْإِصْدَاقِ وَالْقَبْضِ وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ مَا لَوْ تَلِفَ الصَّدَاقُ بَعْدَ الطَّلَاقِ فِي يَدِهَا فَإِنَّهَا تَضْمَنُهُ بِقِيمَةِ يَوْمِ التَّلَفِ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ تَلِفَ تَحْتَ يَدٍ ضَامِنَةٍ كَالْبَيْعِ التَّالِفِ تَحْتَ يَدِ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْفَسْخِ. فُرُوعٌ: لَوْ أَصْدَقَهَا حُلِيًّا فَكَسَرَتْهُ أَوْ انْكَسَرَ وَأَعَادَتْهُ كَمَا كَانَ ثُمَّ فَارَقَ قَبْلَ الدُّخُولِ لَمْ يَرْجِعْ فِيهِ إلَّا بِرِضَاهَا لِزِيَادَتِهِ بِالصَّنْعَةِ عِنْدَهَا، وَكَذَا لَوْ أَصْدَقَهَا نَحْوَ جَارِيَةٍ هَزَلَتْ ثُمَّ سَمِنَتْ عِنْدَهَا كَعَبْدٍ نَسِيَ صَنْعَةً ثُمَّ تَعَلَّمَهَا عِنْدَهَا بِخِلَافِ مَا لَوْ أَصْدَقَهَا عَبْدًا فَعَمِيَ عِنْدَهَا، ثُمَّ أَبْصَرَ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِغَيْرِ رِضَاهَا كَمَا لَوْ تَعَيَّبَ بِغَيْرِ ذَلِكَ فِي يَدِهَا ثُمَّ زَالَ الْعَيْبُ ثُمَّ فَارَقَهَا، فَإِنْ لَمْ تَرْضَ الزَّوْجَةُ بِرُجُوعِ الزَّوْجِ فِي الْحُلِيِّ الْمُعَادِ رَجَعَ بِنِصْفِ وَزْنِهِ تِبْرًا وَنِصْفِ قِيمَةِ صَنْعَتِهِ، وَهِيَ أُجْرَةُ مِثْلِهَا مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ جِنْسِهِ كَمَا فِي الْغَصْبِ فِيمَا لَوْ أَتْلَفَ حُلِيًّا، وَهَذَا مَا جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَإِنْ فَرَّقَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ بَيْنَ هَذَا الْبَابِ وَبَيْنَ بَابِ الْغَصْبِ بِأَنَّ هُنَاكَ أَتْلَفَ مِلْكَ غَيْرِهِ فَكَلَّفْنَاهُ رَدَّ مِثْلِهِ مَعَ الْأُجْرَةِ، وَالْمَرْأَةُ إنَّمَا كَسَرَتْ مِلْكَ نَفْسِهَا فَتَدْفَعُ نِصْفَ قِيمَةِ الْحُلِيِّ بِهَيْئَتِهِ الَّتِي كَانَتْ مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ جِنْسِهِ، وَلَوْ أَصْدَقَهَا إنَاءَ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ فَكَسَرَتْهُ وَأَعَادَتْهُ أَوْ لَمْ تُعِدْهُ لَمْ يَرْجِعْ مَعَ نِصْفِهِ بِالْأُجْرَةِ، إذْ لَا أُجْرَةَ لِصَنْعَتِهِ، وَلَوْ نَسِيَتْ الْمَغْصُوبَةُ الْغِنَاءَ عِنْدَ الْغَاصِبِ لَمْ يَضْمَنْهُ لِأَنَّهُ مُحَرَّمٌ، وَإِنْ صَحَّ شِرَاؤُهَا بِزِيَادَةٍ لِلْغِنَاءِ عَلَى قِيمَتِهَا بِلَا غِنَاءٍ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى غِنَاءٍ يُخَافُ مِنْهُ الْفِتْنَةُ.
المتن: وَلَوْ أَصْدَقَ تَعْلِيمَ قُرْآنٍ وَطَلَّقَ قَبْلَهُ، فَالْأَصَحُّ تَعَذُّرُ تَعْلِيمِهِ.
الشَّرْحُ: (وَ) اعْلَمْ أَنَّ كُلَّ عَمَلٍ يُسْتَأْجَرُ عَلَيْهِ كَتَعْلِيمِ قُرْآنٍ وَخِيَاطَةٍ وَخِدْمَةٍ وَبِنَاءٍ يَجُوزُ جَعْلُهُ صَدَاقًا كَمَا يَجُوزُ جَعْلُهُ ثَمَنًا فَعَلَى هَذَا (لَوْ أَصْدَقَ) هَا (تَعْلِيمَ قُرْآنٍ) لَهَا بِنَفْسِهِ وَفِي تَعْلِيمِهِ كُلْفَةٌ - لَا كَثَمَّ - نَظَرٌ أَوْ تَعْلِيمُ حَدِيثٍ أَوْ خَطٍّ أَوْ شِعْرٍ أَوْ نَحْوِهِ مِمَّا يَصِحُّ الِاسْتِئْجَارُ عَلَى تَعْلِيمِهِ (وَطَلَّقَ) أَوْ فَارَقَ بِغَيْرِ طَلَاقٍ كَرِدَّتِهِ وَحْدَهُ (قَبْلَهُ) أَيْ التَّعْلِيمِ بَعْدَ دُخُولٍ أَوْ قَبْلَهُ (فَالْأَصَحُّ تَعَذُّرُ تَعْلِيمِهِ) لِأَنَّهَا صَارَتْ مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ، وَلَا يَجُوزُ اخْتِلَاؤُهُ بِهَا. وَالثَّانِي: لَا يَتَعَذَّرُ بَلْ يُعَلِّمُهَا مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ فِي غَيْرِ خَلْوَةٍ إنْ أَمْكَنَ. وَأَجَابَ الْأَوَّلَ بِأَنَّا لَا نَأْمَنُ الْوُقُوعَ فِي التُّهْمَةِ وَالْخَلْوَةِ الْمُحَرَّمَةِ لَوْ جَوَّزْنَا ذَلِكَ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَلَيْسَ سَمَاعُ الْحَدِيثِ كَذَلِكَ، فَإِنَّا لَوْ لَمْ نُجَوِّزْهُ لَضَاعَ وَلِلتَّعْلِيمِ بَدَلٌ يَرْجِعُ إلَيْهِ. ا هـ. فَإِنْ قِيلَ: الْأَجْنَبِيَّةُ يُبَاحُ النَّظَرُ إلَيْهَا لِلتَّعْلِيمِ وَهَذِهِ صَارَتْ أَجْنَبِيَّةً، فَهَلَّا جَازَ تَعْلِيمُهَا. أُجِيبَ بِأَنَّ كُلًّا مِنْ الزَّوْجَيْنِ قَدْ تَعَلَّقَتْ آمَالُهُ بِالْآخَرِ، وَحَصَلَ بَيْنَهُمَا نَوْعُ وُدٍّ فَقَوِيَتْ التُّهْمَةُ فَامْتَنَعَ التَّعْلِيمُ لِقُرْبِ الْفِتْنَةِ بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ، فَإِنَّ قُوَّةَ الْوَحْشَةِ بَيْنَهُمَا اقْتَضَتْ جَوَازَ التَّعْلِيمِ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالتَّعْلِيمِ الَّذِي يَجُوزُ النَّظَرُ لَهُ هُوَ التَّعْلِيمُ الْوَاجِبُ كَقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ فَمَا هُنَا مَحِلُّهُ فِي غَيْرِ الْوَاجِبِ، وَرَجَّحَ هَذَا السُّبْكِيُّ، وَقِيلَ: التَّعْلِيمُ الَّذِي يَجُوزُ النَّظَرُ لَهُ خَاصٌّ بِالْأَمْرَدِ بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيَّةِ، وَرَجَّحَهُ الشَّارِحُ وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ. تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ تَعْلِيلُهُمْ السَّابِقُ أَنَّهَا لَوْ لَمْ تَحْرُمْ الْخَلْوَةُ بِهَا كَأَنْ كَانَتْ صَغِيرَةً لَا تُشْتَهَى أَوْ صَارَتْ مَحْرَمًا لَهُ بِرَضَاعٍ أَوْ نَكَحَهَا ثَانِيًا لَمْ يَتَعَذَّرْ التَّعْلِيمُ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْبُلْقِينِيُّ، وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّعَذُّرِ مَا يَشْمَلُ التَّعَسُّرَ وَإِلَّا فَالتَّعْلِيمُ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ بِحَضْرَةِ مَنْ تَزُولُ مَعَهُ الْخَلْوَةُ مُمْكِنٌ، وَعَلَى هَذَا لَوْ تَيَسَّرَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ التَّعْلِيمُ فِي مَجْلِسٍ كَسُورَةٍ قَصِيرَةٍ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا تَعَذُّرَ كَمَا فِي النِّهَايَةِ وَصَوَّبَهُ السُّبْكِيُّ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْجُمْهُورِ بَقَاءُ التَّعَذُّرِ، أَمَّا مَا لَا كُلْفَةَ فِيهِ كَتَعْلِيمِ لَحْظَةٍ أَوْ كَلِمَةٍ كَثُمَّ نُظِرَ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ كَمَا فِي نَظِيرِهِ فِي الْإِجَارَةِ، وَخَرَجَ بِتَعْلِيمِهَا بِنَفْسِهِ مَا لَوْ أَصْدَقَهَا التَّعْلِيمَ فِي ذِمَّتِهِ وَفَارَقَ قَبْلَهُ فَلَا يَتَعَذَّرُ التَّعْلِيمُ بَلْ يَسْتَأْجِرُ مَحْرَمًا أَوْ امْرَأَةً أَوْ نَحْوَهُمَا يُعَلِّمُهَا الْكُلَّ إنْ فَارَقَ بَعْدَ الْوَطْءِ، وَالنِّصْفَ إنْ فَارَقَ قَبْلَهُ، وَلَوْ لَمْ يُحْسِنْ الزَّوْجُ التَّعْلِيمَ لِمَا شَرَطَ تَعْلِيمَهُ لَمْ يَصِحَّ إصْدَاقُهُ إلَّا فِي الذِّمَّةِ، فَإِنْ شَرَطَ أَنْ يَتَعَلَّمَ ثُمَّ يُعَلِّمَهَا لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ مُتَعَلِّقٌ بِعَيْنِهِ وَالْأَعْيَانُ لَا تُؤَجَّلُ، وَلَوْ أَرَادَتْ تَعْلِيمَ غَيْرِهَا لَمْ يَلْزَمْ الزَّوْجَ الْإِجَابَةُ لِاخْتِلَافِ النَّاسِ فِي الْحِفْظِ وَالْفَهْمِ.
المتن: وَيَجِبُ مَهْرُ مِثْلٍ بَعْدَ وَطْءٍ، وَنِصْفُهُ قَبْلَهُ.
الشَّرْحُ: فُرُوعٌ: لَوْ أَصْدَقَ زَوْجَتَهُ الْكِتَابِيَّةَ تَعْلِيمَ قُرْآنٍ صَحَّ إنْ تَوَقَّعَ إسْلَامَهَا، وَإِلَّا فَلَا كَتَعْلِيمِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ لَهَا أَوْ لِمُسْلِمَةٍ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ، إذْ لَا يَجُوزُ الِاشْتِغَالُ بِهِمَا لِتَبْدِيلِهَا، وَلَوْ أَصْدَقَهَا التَّوْرَاةَ أَوْ الْإِنْجِيلَ وَهُمَا كَافِرَانِ فَأَسْلَمَا أَوْ تَرَافَعَا إلَيْنَا بَعْدَ التَّعْلِيمِ فَلَا شَيْءَ لَهَا سِوَاهُ، أَوْ قَبْلَهُ وَجَبَ لَهَا مَهْرُ مِثْلٍ، وَلَوْ أَصْدَقَ زَوْجَتَهُ تَعْلِيمَ فِقْهٍ أَوْ شِعْرٍ أَوْ نَحْوِهِ مِمَّا لَيْسَ بِمُحَرَّمٍ أَوْ أَصْدَقَهَا رَدَّ عَبْدِهَا مِنْ مَوْضِعٍ مَعْلُومٍ صَحَّ، وَلَوْ أَصْدَقَهَا تَعْلِيمَ عَبْدِهَا أَوْ وَلَدِهَا أَوْ خِتَانَهُ صَحَّ إنْ وَجَبَ عَلَيْهَا لِوُجُوبِ ذَلِكَ عَلَيْهَا وَإِلَّا فَلَا، وَلَوْ أَصْدَقَهَا تَعْلِيمَ الْفَاتِحَةِ صَحَّ، وَإِنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ التَّعْلِيمُ، وَلَوْ أَصْدَقَ الْكِتَابِيَّةَ تَعْلِيمَ الشَّهَادَتَيْنِ أَوْ هِيَ أَوْ غَيْرَهَا أَدَاءُ شَهَادَةٍ لَمْ يَصِحَّ، فَإِنْ كَانَ فِي تَعْلِيمِهَا كُلْفَةٌ أَوْ مَحَلُّ الْقَاضِي الْمُؤَدِّي عِنْدَهُ الشَّهَادَةُ بَعِيدًا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى رُكُوبٍ، فَالظَّاهِرُ الصِّحَّةُ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ (وَيَجِبُ) عَلَى الْأَصَحِّ عِنْدَ تَعَذُّرِ التَّعْلِيمِ (مَهْرُ مِثْلٍ) عَلَى الزَّوْجِ إنْ طَلَّقَ (بَعْدَ وَطْءٍ وَنِصْفُهُ) إنْ طَلَّقَ (قَبْلَهُ) أَيْ الْوَطْءِ جَرْيًا عَلَى الْقَاعِدَةِ، وَلَوْ عَلَّمَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا، فَإِنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ فَقَدْ اسْتَوْفَتْ حَقَّهَا وَلَا رُجُوعَ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ رَجَعَ إلَى نِصْفِ أُجْرَةِ مِثْلِ التَّعْلِيمِ. تَنْبِيهٌ: لَوْ أَصْدَقَهَا تَعْلِيمَ سُورَةٍ مِنْ الْقُرْآنِ أَوْ جُزْءٍ مِنْهُ اُشْتُرِطَ تَعْيِينُ الْمُصْدَقِ وَعِلْمُ الزَّوْجِ وَالْوَلِيِّ بِالْمَشْرُوطِ تَعْلِيمُهُ فَإِنْ لَمْ يَعْلَمَا أَوْ أَحَدُهُمَا وَكَّلَا أَوْ أَحَدُهُمَا مَنْ يَعْلَمُهُ، وَلَا يَكْفِي التَّقْدِيرُ بِالْإِشَارَةِ إلَى الْمَكْتُوبِ فِي أَوْرَاقِ الْمُصْحَفِ، وَلَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ الْحَرْفِ الَّذِي يُعَلِّمُهُ لَهَا كَقِرَاءَةِ نَافِعٍ فَيُعَلِّمُهَا مَا شَاءَ كَمَا فِي الْإِجَارَةِ، وَنُقِلَ عَنْ الْبَصْرِيِّينَ أَنَّهُ يُعَلِّمُهَا مَا غَلَبَ عَلَى قِرَاءَةِ أَهْلِ الْبَلَدِ وَهُوَ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ حَسَنٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا أَغْلَبُ عَلَّمَهَا مَا شَاءَ، فَإِنْ عَيَّنَ الزَّوْجُ وَالْوَلِيُّ حَرْفًا تَعَيَّنَ فَإِنْ خَالَفَ وَعَلَّمَهَا حَرْفًا غَيْرَهُ فَمُتَطَوِّعٌ بِهِ فَيَلْزَمُهُ تَعْلِيمُ الْحَرْفِ الْمُعَيَّنِ عَمَلًا بِالشَّرْطِ، وَلَوْ أَصْدَقَهَا تَعْلِيمَ قُرْآنٍ أَوْ غَيْرَهُ شَهْرًا صَحَّ لَا تَعْلِيمَ سُورَةٍ فِي شَهْرٍ كَمَا فِي الْإِجَارَةِ.
المتن: وَلَوْ طَلَّقَ وَقَدْ زَالَ مِلْكُهَا عَنْهُ فَنِصْفُ بَدَلِهِ.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ طَلَّقَ) قَبْلَ وَطْءٍ وَبَعْدَ قَبْضِ الصَّدَاقِ (وَقَدْ زَالَ مِلْكُهَا عَنْهُ) بِبَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ كَهِبَةٍ مَقْبُوضَةٍ (فَنِصْفُ بَدَلِهِ) مِنْ مِثْلٍ أَوْ قِيمَةٍ. فَإِنْ قِيلَ: هَلَّا كَانَ لَهُ نَقْضُ تَصَرُّفِهَا كَالشَّفِيعِ. أُجِيبَ بِأَنَّ حَقَّ الشَّفِيعِ كَانَ مَوْجُودًا حِينَ تَصَرَّفَ الْمُشْتَرِي، فَلِذَلِكَ تَسَلَّطَ عَلَى نَقْضِهِ وَالزَّوْجُ لَا حَقَّ لَهُ عِنْدَ التَّصَرُّفِ، وَإِنَّمَا حَدَثَ حَقُّهُ بِالطَّلَاقِ بَلْ حَقُّهُ أَضْعَفُ مِنْ حَقِّ الْوَالِدِ فِي الرُّجُوعِ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْوَالِدِ الرُّجُوعَ مَوْجُودٌ عِنْدَ تَصَرُّفِ الْوَلَدِ، فَإِذَا امْتَنَعَ الرُّجُوعُ بَعْدَ زَوَالِ مِلْكِ الْوَلَدِ فَتَعَذُّرُهُ بِزَوَالِ مِلْكِ الزَّوْجَةِ أَوْلَى. تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَزُلْ مِلْكُهَا عَنْهُ أَنَّ الْحُكْمَ بِخِلَافِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ إنْ لَمْ يَحْصُلُ فِيهِ زِيَادَةٌ وَنَحْوُهَا مِمَّا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ قَهْرًا وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقٌّ لَازِمٌ لِلْغَيْرِ كَرَهْنٍ مَقْبُوضٍ فَيَمْنَعُ الرُّجُوعَ فِيهِ، وَالْبَيْعُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ إنْ كَانَ لِلْمُشْتَرِي وَحْدَهُ رَجَعَ الزَّوْجُ إلَى نِصْفِ الْبَدَلِ لِانْتِقَالِ الْمِلْكِ بِذَلِكَ وَإِلَّا فَلَهُ نِصْفُ الْعَيْنِ، وَأَمَّا الْإِجَارَةُ أَوْ التَّزْوِيجُ مِنْهَا لِلصَّدَاقِ فَعَيْبٌ يُنْقِصُ الْقِيمَةَ بِذَلِكَ فَيَتَخَيَّرُ الزَّوْجُ بَيْنَ رُجُوعِهِ بِنِصْفِ الْقِيمَةِ وَرُجُوعِهِ بِنِصْفِ الصَّدَاقِ مَسْلُوبَ الْمَنْفَعَةِ مُدَّةَ الْإِجَارَةِ فَإِنْ صَبَرَ الزَّوْجُ فِي صُورَةِ الرَّهْنِ وَالْإِجَارَةِ وَالتَّزْوِيجِ، بِأَنْ قَالَ مَعَ اخْتِيَارِ رُجُوعِهِ بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ فِي صُورَتِهِ: أَنَا أَصْبِرُ إلَى انْفِكَاكِ الرَّهْنِ وَانْقِضَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ وَزَوَالِ الزَّوْجِيَّةِ فَلَهَا الِامْتِنَاعُ لِمَا عَلَيْهَا مِنْ خَطَرِ الضَّمَانِ حَتَّى يَقْبِضَ هُوَ الْمَرْهُونَ وَالْمُسْتَأْجَرَ وَالْمُزَوَّجَ وَتُسَلَّمُ الْعَيْنُ الْمُصْدَقَةُ لِلْمُسْتَحِقِّ لَهَا لِتَبْرَأَ الزَّوْجَةُ مِنْ الضَّمَانِ فَلَيْسَ لَهَا حِينَئِذٍ الِامْتِنَاعُ لِانْتِفَاءِ الْعِلَّةِ وَلَوْ وَصَّتْ بِعِتْقِ الْعَبْدِ الْمُصْدَقِ رَجَعَ الزَّوْجُ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لَيْسَتْ بِحَقٍّ لَازِمٍ، وَلَوْ دَبَّرَتْهُ أَوْ عَلَّقَتْ عِتْقَهُ بِصِفَةٍ رَجَعَ إنْ كَانَتْ مُعْسِرَةً لِمَا ذُكِرَ وَيَبْقَى النِّصْفُ الْآخَرُ مُدَبَّرًا أَوْ مُعَلَّقًا عِتْقُهُ بِصِفَةٍ، لَا إنْ كَانَتْ مُوسِرَةً؛ لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ لَهُ مَعَ قُدْرَةِ الزَّوْجَةِ عَلَى الْوَفَاءِ حَقُّ الْحُرِّيَّةِ، وَالرُّجُوعُ يُفَوِّتُهُ بِالْكُلِّيَّةِ وَعَدَمُ الرُّجُوعِ فِيهِ لَا يُفَوِّتُ حَقَّ الزَّوْجِ بِالْكُلِّيَّةِ. فَإِنْ قِيلَ التَّدْبِيرُ لَا يَمْنَعُ فَسْخَ الْبَائِعِ، وَلَا رُجُوعَ الْأَصْلِ الْوَاهِبِ فِي هِبَتِهِ لِفَرْعِهِ، فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ؟. أُجِيبَ بِأَنَّ الثَّمَنَ عِوَضٌ مَحْضٌ وَمَنْعُ الرُّجُوعِ فِي الْوَاهِبِ يُفَوِّتُ الْحَقَّ بِالْكُلِّيَّةِ بِخِلَافِ الصَّدَاقِ فِيهِمَا. فَرْعٌ: لَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَهُوَ مُحْرِمٌ وَالصَّدَاقُ صَيْدٌ عَادَ إلَيْهِ نِصْفُهُ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَنْشَأُ لِاجْتِلَابِ الْمِلْكِ فَأَشْبَهَ الْإِرْثَ وَامْتَنَعَ عَلَيْهِ إرْسَالُهُ لِلشَّرِكَةِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ ارْتَدَّتْ قَبْلَ الدُّخُولِ فَإِنَّ الصَّيْدَ يَرْجِعُ إلَى مِلْكِهِ وَيَلْزَمُهُ إرْسَالُهُ؛ لِأَنَّ الْمُحْرِمَ مَمْنُوعٌ مِنْ إمْسَاكِ الصَّيْدِ.
المتن: فَإِنْ كَانَ زَالَ وَعَادَ تَعَلَّقَ بِالْعَيْنِ فِي الْأَصَحِّ.
الشَّرْحُ: (فَإِنْ كَانَ) الْمَهْرُ (زَالَ) عَنْ مِلْكِهَا (وَعَادَ) إلَى مِلْكِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ (تَعَلَّقَ) حَقُّ الزَّوْجِ (بِالْعَيْنِ) الْعَائِدَةِ (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ بَدَلٍ فَعَيْنُ مَالِهِ أَوْلَى. وَالثَّانِي: لَا؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِي الْعَيْنِ مُسْتَفَادٌ مِنْ جِهَةٍ غَيْرِ الصَّدَاقِ، وَهَذَا الْخِلَافُ مِنْ فُرُوعِ قَاعِدَةِ الزَّائِلِ الْعَائِدِ هَلْ هُوَ كَاَلَّذِي لَمْ يَزُلْ أَوْ كَاَلَّذِي لَمْ يَعُدْ وَلَهُ نَظَائِرُ كَثِيرَةٌ مُخْتَلِفَةُ التَّرْجِيحِ، مِنْهَا لَوْ زَالَ مِلْكُ الْوَلَدِ عَمَّا وَهَبَهُ لَهُ أَصْلُهُ ثُمَّ عَادَ لَمْ يَرْجِعْ الْأَصْلُ فِي الْأَصَحِّ، وَفُرِّقَ بِأَنَّ حَقَّ الْأَصْلِ انْقَطَعَ بِزَوَالِ مِلْكِ الْوَلَدِ فَلَمْ يَعُدْ وَحَقُّ الزَّوْجِ لَمْ يَنْقَطِعْ بِدَلِيلِ رُجُوعِهِ فِي الْبَدَلِ فَعَادَ بِالرُّجُوعِ.
المتن: وَلَوْ وَهَبَتْهُ لَهُ ثُمَّ طَلَّقَ فَالْأَظْهَرُ أَنَّ لَهُ نِصْفَ بَدَلِهِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ وَهَبَتْهُ النِّصْفَ فَلَهُ نِصْفُ الْبَاقِي وَرُبُعُ بَدَلِ كُلِّهِ، وَفِي قَوْلٍ النِّصْفُ الْبَاقِي وَفِي قَوْلٍ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ بَدَلِ نِصْفِ كُلِّهِ أَوْ نِصْفِ الْبَاقِي وَرُبُعِ بَدَلِ كُلِّهِ، وَلَوْ كَانَ دَيْنًا فَأَبْرَأَتْهُ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهَا عَلَى الْمَذْهَبِ.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ وَهَبَتْهُ لَهُ) بِلَفْظِ الْهِبَةِ بَعْدَ قَبْضِهَا لَهُ وَالْمَهْرُ عَيْنٌ (ثُمَّ طَلَّقَ) أَوْ فَارَقَ بِغَيْرِ طَلَاقٍ كَرِدَّةٍ قَبْلَ الدُّخُولِ (فَالْأَظْهَرُ أَنَّ لَهُ نِصْفَ بَدَلِهِ) مِنْ مِثْلٍ أَوْ قِيمَةٍ؛ لِأَنَّهُ مَلَّكَ الْمَهْرَ قَبْلَ الطَّلَاقِ مِنْ غَيْرِ جِهَةِ الطَّلَاقِ. وَالثَّانِي: لَا شَيْءَ لَهُ، لِأَنَّهَا عَجَّلَتْ لَهُ مَا يُسْتَحَقُّ بِالطَّلَاقِ فَأَشْبَهَ تَعْجِيلَ الدَّيْنِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَمَنَعَ الْأَوَّلَ كَوْنُهُ تَعْجِيلًا لِحَقِّهِ، فَإِنَّهَا لَوْ صَرَّحَتْ بِالتَّعْجِيلِ لَمْ يَصِحَّ، وَخَرَجَ بِمَا ذُكِرَ مَا لَوْ لَمْ تَهَبْهُ بِلَفْظِ الْهِبَةِ، بَلْ بَاعَتْهُ لَهُ مُحَابَاةً فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِنِصْفِهِ قَطْعًا، وَإِنْ كَانَتْ الْمُحَابَاةُ فِي مَعْنَى الْهِبَةِ، وَمَا لَوْ وَهَبَهُ لَهُ قَبْلَ قَبْضِهِ فَإِنَّ الْهِبَةَ بَاطِلَةٌ عَلَى الْمَذْهَبِ وَإِنْ كَانَ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ مَا يُوهِمُ خِلَافَهُ، وَسَيَأْتِي هِبَةُ الدَّيْنِ. تَنْبِيهٌ: لَوْ قَالَ بَدَلَ نِصْفِهِ كَمَا عَبَّرَ بِهِ بَعْدُ كَانَ أَوْلَى (وَعَلَى هَذَا) الْأَظْهَرُ (لَوْ وَهَبَتْهُ النِّصْفَ) مِنْ الْمَهْرِ (فَلَهُ نِصْفُ الْبَاقِي) وَهُوَ الرُّبُعُ (وَرُبُعُ بَدَلِ كُلِّهِ) لِأَنَّ الْهِبَةَ وَرَدَتْ عَلَى مُطْلَقِ النِّصْفِ فَيَشِيعُ الرَّاجِعُ فِيمَا أَخْرَجَتْهُ وَمَا أَبْقَتْهُ وَهَذَا يُسَمَّى قَوْلَ الْإِشَاعَةِ، وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ بَدَلَ رُبُعِ كُلِّهِ كَمَا مَرَّ (وَفِي قَوْلٍ) لَهُ (النِّصْفُ الْبَاقِي) لِأَنَّهُ بِالنِّصْفِ اسْتَحَقَّ النِّصْفَ بِالطَّلَاقِ وَقَدْ وَجَدَهُ فَيَأْخُذُهُ وَتَنْحَصِرُ هِبَتُهَا فِي نَصِيبِهَا، وَهَذَا يُسَمَّى قَوْلَ الْحَصْرِ، فَرُجُوعُ الزَّوْجِ بِالنِّصْفِ لَا خِلَافَ فِيهِ، بَلْ الْخِلَافُ فِي كَيْفِيَّةِ الرُّجُوعِ بِهِ (وَفِي قَوْلٍ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ بَدَلِ نِصْفِ كُلِّهِ أَوْ نِصْفِ الْبَاقِي وَرُبُعِ بَدَلِ كُلِّهِ) لِأَنَّ فِي الرُّجُوعِ بِنِصْفِ الْبَاقِي وَبَدَلِ نِصْفِ الْآخَرِ تَبْعِيضًا لِلتَّشْطِيرِ عَلَى الزَّوْجِ فَخُيِّرَ. تَنْبِيهٌ: كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ كَالْمُحَرَّرِ وَالرَّوْضَةِ نِصْفَ بَدَلِ كُلِّهِ، وَكَانَ الْأَوْلَى أَيْضًا إسْقَاطَ أَلِفِ أَوْ، لِأَنَّ بَيْنَ إنَّمَا تَكُونُ بَيْنَ شَيْئَيْنِ، وَلَكِنَّ إثْبَاتَهَا يَقَعُ كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ فِي كَلَامِ الْفُقَهَاءِ لَا عَنْ قَصْدٍ (وَلَوْ كَانَ) الْمَهْرُ (دَيْنًا) لَهَا عَلَى زَوْجِهَا (فَأَبْرَأَتْهُ) مِنْهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ (لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهَا) بِشَيْءٍ (عَلَى الْمَذْهَبِ) لِأَنَّهَا لَمْ تَأْخُذْ مِنْهُ مَالًا وَلَمْ تَتَحَصَّلْ. عَلَى شَيْءٍ بِخِلَافِهَا فِي هِبَةِ الْعَيْنِ. وَالطَّرِيقُ الثَّانِي طَرْدُ قَوْلَيْ الْهِبَةِ، وَلَوْ قَبَضَتْ الدَّيْنَ ثُمَّ وَهَبَتْهُ لَهُ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ كَهِبَةِ الْعَيْنِ.
المتن: وَلَيْسَ لِوَلِيٍّ عَفْوٌ عَنْ صَدَاقٍ عَلَى الْجَدِيدِ.
الشَّرْحُ: (وَلَيْسَ لِوَلِيٍّ عَفْوٌ عَنْ صَدَاقٍ) لِمُوَلِّيَتِهِ (عَلَى الْجَدِيدِ) كَسَائِرِ دُيُونِهَا وَالْقَدِيمُ لَهُ ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ، وَحَمْلُهُ الْجَدِيدَ عَلَى الزَّوْجِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ رَفْعِهِ بِالْفُرْقَةِ فَيَعْفُو عَنْ حَقِّهِ لِيُسَلِّمَ لَهَا كُلَّ الْمَهْرِ إذْ لَمْ يَبْقَ لِلْوَلِيِّ بَعْدَ الْعَقْدِ عُقْدَةٌ. تَنْبِيهٌ: لِلْقَدِيمِ شُرُوطٌ: وَهِيَ أَنْ يَكُونَ الْوَلِيُّ أَبًا أَوْ جَدًّا لِمَكَانِ شَفَقَتِهِمَا. وَأَنْ يَكُونَ قَبْلَ الدُّخُولِ. وَأَنْ تَكُونَ بِكْرًا صَغِيرَةً عَاقِلَةً. وَأَنْ يَكُونَ بَعْدَ الطَّلَاقِ. وَأَنْ يَكُونَ الصَّدَاقُ دَيْنًا فِي ذِمَّةِ الزَّوْجِ لَمْ يُقْبَضْ. تَتِمَّةٌ: لَوْ خَالَعَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ عَلَى غَيْرِ الصَّدَاقِ اسْتَحَقَّهُ وَلَهُ نِصْفُ الصَّدَاقِ، وَإِنْ خَالَعَهَا عَلَى الصَّدَاقِ كُلِّهِ صَحَّ فِي نَصِيبِهَا دُونَ نَصِيبِهِ، وَيَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ إنْ جَهِلَ التَّشْطِيرَ، فَإِذَا فَسَخَ عِوَضَ الْخُلْعِ رَجَعَ عَلَيْهَا بِمَهْرِ الْمِثْلِ، وَإِلَّا فَنِصْفُ الصَّدَاقِ، وَإِنْ خَالَعَهَا عَلَى النِّصْفِ الْبَاقِي لَهَا بَعْدَ الْفُرْقَةِ صَارَ كُلُّ الصَّدَاقِ لَهُ، نِصْفُهُ بِعِوَضِ الْخُلْعِ وَنِصْفُهُ بِالتَّشْطِيرِ، وَإِنْ أَطْلَقَ النِّصْفَ بِأَنْ لَمْ يُقَيِّدْهُ بِالْبَاقِي لَهَا بَعْدَ الْفُرْقَةِ صَارَ كُلُّ الصَّدَاقِ لَهُ، نِصْفُهُ بِعِوَضِ الْخُلْعِ وَنِصْفُهُ بِالتَّشْطِيرِ، وَإِنْ أَطْلَقَ النِّصْفَ بِأَنْ لَمْ يُقَيِّدْهُ بِالْبَاقِي وَلَا بِغَيْرِهِ وَقَعَ الْعِوَضُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا، فَلَهَا عَلَيْهِ رُبُعُ الْمُسَمَّى، وَلَهُ عَلَيْهَا ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ بِحُكْمِ التَّشْطِيرِ وَعِوَضُ الْخُلْعِ وَنِصْفُ مَهْرِ الْمِثْلِ بِحُكْمِ مَا فَسَدَ مِنْ الْخُلْعِ، وَإِنْ خَالَعَهَا عَلَى أَنْ لَا تَبِعَةَ لَهُ عَلَيْهَا فِي الْمَهْرِ صَحَّ وَجَعَلْنَاهُ عَلَى مَا يَبْقَى لَهَا مِنْهُ.
المتن: لِمُطَلَّقَةٍ قَبْلَ وَطْءٍ مُتْعَةٌ إنْ لَمْ يَجِبْ شَطْرُ مَهْرٍ وَكَذَا لِمَوْطُوءَةٍ فِي الْأَظْهَرِ، وَفُرْقَةٌ لَا بِسَبَبِهَا كَطَلَاقٍ.
الشَّرْحُ: فَصْلٌ فِي أَحْكَامِ الْمُتْعَةِ، وَهِيَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَحُكِيَ كَسْرُهَا مُشْتَقَّةً مِنْ الْمَتَاعِ، وَهُوَ مَا يُسْتَمْتَعُ بِهِ، وَالْمُرَادُ بِهَا مَالٌ يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ دَفْعُهُ لِامْرَأَتِهِ الْمُفَارِقَةِ فِي الْحَيَاةِ بِطَلَاقٍ وَمَا فِي مَعْنَاهُ بِشُرُوطٍ تَأْتِي، وَيَسْتَوِي فِيهَا الْحُرُّ وَغَيْرُهُ، وَالْمُسْلِمُ وَالذِّمِّيُّ وَالْحُرَّةُ وَغَيْرُهَا وَالْمُسْلِمَةُ وَالذِّمِّيَّةُ كَمَا شَمِلَ ذَلِكَ قَوْلُهُ: يَجِبُ (لِمُطَلَّقَةٍ قَبْلَ وَطْءٍ مُتْعَةٌ) عَلَى الْجَدِيدِ (إنْ لَمْ يَجِبْ) لَهَا (شَطْرُ مَهْرٍ) بِأَنْ كَانَتْ مُفَوَّضَةً وَلَمْ يُفْرَضْ لَهَا شَيْءٌ وَادَّعَى الْإِمَامُ فِيهِ الْإِجْمَاعَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إنْ طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ} الْآيَةَ، وَلِأَنَّ الْمُفَوَّضَةَ لَمْ يَحْصُلْ لَهَا شَيْءٌ فَتَجِبُ لَهَا مُتْعَةٌ لِلْإِيحَاشِ، بِخِلَافِ مَنْ وَجَبَ لَهَا الشَّطْرُ. أَمَّا إذَا فُرِضَ لَهَا فِي التَّفْوِيضِ شَيْءٌ فَلَا مُتْعَةَ لَهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَوْفِ مَنْفَعَةَ بُضْعِهَا فَيَكْفِي شَطْرُ مَهْرِهَا لِمَا لَحِقَهَا مِنْ الِاسْتِيحَاشِ وَالِابْتِذَالِ، وَعَنْ الْقَدِيمِ أَنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ} وَلَوْ كَانَتْ وَاجِبَةً لَمْ يَخْتَصَّ بِهَا الْمُحْسِنُونَ دُونَ غَيْرِهِمْ. تَنْبِيهٌ: كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ لِمُطَلَّقَةٍ وَنَحْوِهَا لِيَشْمَلَ الْمُلَاعِنَةَ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ كَلَامِهِ مَا لَوْ زَوَّجَ أَمَتَهُ بِعَبْدِهِ فَلَا شَطْرَ وَلَا مُتْعَةَ (وَكَذَا) يَجِبُ (لِمَوْطُوءَةٍ) مُتْعَةٌ (فِي الْأَظْهَرِ) الْجَدِيدُ سَوَاءٌ أَفَوَّضَ طَلَاقَهَا إلَيْهَا فَطَلُقَتْ أَوْ عَلَّقَهُ بِفِعْلِهَا فَفَعَلَتْ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} وَخُصُوصِ قَوْله تَعَالَى: {فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ} وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ أَيْ فَتَعَالَيْنَ أُسَرِّحْكُنَّ وَأُمَتِّعْكُنَّ وَكُلُّهُنَّ مَدْخُولَاتٌ بِهِنَّ، أَوْ يُقَالُ: إنَّ الْوَاوَ لَا تَقْتَضِي التَّرْتِيبَ. وَالثَّانِي وَهُوَ الْقَدِيمُ: لَا مُتْعَةَ لَهَا لِاسْتِحْقَاقِهَا الْمَهْرَ وَفِيهِ غُنْيَةٌ عَنْ الْمُتْعَةِ، وَلِأَنَّهَا إذَا لَمْ تَسْتَحِقَّهَا مَعَ الشَّطْرِ فَمَعَ الْكُلِّ أَوْلَى. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ جَمِيعَ الْمَهْرِ وَجَبَ فِي مُقَابَلَةِ اسْتِيفَاءِ مَنْفَعَةِ الْبُضْعِ فَخَلَا الطَّلَاقُ عَنْ الْجَبْرِ، بِخِلَافِ مَنْ وَجَبَ لَهَا النِّصْفُ فَإِنَّ بُضْعَهَا سُلِّمَ لَهَا فَكَانَ الشَّطْرُ جَابِرًا لِلْإِيحَاشِ. فَائِدَةٌ: فِي فَتَاوَى الْمُصَنِّفِ أَنَّ وُجُوبَ الْمُتْعَةِ مِمَّا يَغْفُلُ النِّسَاءُ عَنْ الْعِلْمِ بِهَا فَيَنْبَغِي تَعْرِيفُهُنَّ وَإِشَاعَةُ حُكْمِهَا لِيَعْرِفْنَ ذَلِكَ (وَفُرْقَةٌ لَا بِسَبَبِهَا) بِأَنْ كَانَتْ مِنْ الزَّوْجِ كَرِدَّتِهِ وَلِعَانِهِ وَإِسْلَامِهِ، أَوْ مِنْ أَجْنَبِيٍّ كَإِرْضَاعِ أُمِّ الزَّوْجِ أَوْ بِنْتِ زَوْجَتِهِ وَوَطْءِ أَبِيهِ أَوْ ابْنِهِ لَهَا بِشُبْهَةٍ حُكْمُهَا (كَطَلَاقٍ) فِي إيجَابِ الْمُتْعَةِ وَعَدَمِهِ أَيْ إذَا لَمْ يَسْقُطْ بِهَا الشَّطْرُ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: إنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ. فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يُتَصَوَّرُ وُجُوبُ الْمُتْعَةِ لِلزَّوْجَةِ الصَّغِيرَةِ فِي مَسْأَلَةِ الْإِرْضَاعِ وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ الْمُتْعَةَ مُخْتَصَّةٌ بِالتَّفْوِيضِ أَوْ الدُّخُولِ وَكِلَاهُمَا مُسْتَحِيلٌ فِيمَنْ هُوَ فِي سِنِّ الْإِرْضَاعِ. أَمَّا الدُّخُولُ فَوَاضِحٌ. وَأَمَّا التَّفْوِيضُ فَإِنَّهَا لَوْ زُوِّجَتْ وَجَبَ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ. أُجِيبَ بِتَصَوُّرِ ذَلِكَ فِي أَمَةٍ صَغِيرَةٍ زَوَّجَهَا سَيِّدُهَا بِالتَّفْوِيضِ لِعَبْدٍ فَإِنَّ الْحُرَّ لَا يَنْكِحُ أَمَةً صَغِيرَةً، وَفِيمَا إذَا زَوَّجَ الْكَافِرُ ابْنَتَهُ الصَّغِيرَةَ كَافِرًا مُفَوَّضَةً وَكَانَ عِنْدَهُمْ أَنْ لَا مَهْرَ لِلْمُفَوَّضَةِ وَأَرْضَعَتْهَا أُمُّهُ أَوْ بِنْتُهُ ثُمَّ تَرَافَعَا إلَيْنَا فَإِنَّا نَقْضِي بِصِحَّةِ النِّكَاحِ وَلُزُومِ الْمُتْعَةِ. أَمَّا إذَا كَانَتْ الْفُرْقَةُ مِنْهَا أَوْ بِسَبَبِهَا كَرِدَّتِهَا وَإِسْلَامِهَا وَلَوْ تَبَعًا أَوْ فَسْخِهِ بِعَيْبِهَا فَلَا مُتْعَةَ لَهَا، سَوَاءٌ كَانَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ أَمْ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ يَسْقُطُ بِذَلِكَ، وَوُجُوبُهُ آكَدُ مِنْ وُجُوبِ الْمُتْعَةِ بِدَلِيلِ أَنَّهُمَا لَوْ ارْتَدَّا مَعًا لَا مُتْعَةَ وَيَجِبُ الشَّطْرُ، وَالْفَرْقُ أَنَّ مِلْكَهَا لِلصَّدَاقِ سَابِقٌ عَلَى الرِّدَّةِ بِخِلَافِ الْمُتْعَةِ، وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا لَوْ سُبِيَا مَعًا، وَلَوْ اشْتَرَاهَا الزَّوْجُ لَمْ تَسْتَحِقَّ مُتْعَةً وَإِنْ اسْتَدْعَى الزَّوْجُ شِرَاءَهَا؛ لِأَنَّهَا تَجِبُ بِالْفُرْقَةِ فَتَكُونُ لِلْمُشْتَرِي، فَلَوْ أَوْجَبْنَاهَا لَأَوْجَبْنَاهَا لَهُ عَلَى نَفْسِهِ فَلَمْ تَجِبْ، بِخِلَافِ الْمَهْرِ فَإِنَّهُ يَجِبُ بِالْعَقْدِ فَوَجَبَ لِلْبَائِعِ، وَتَجِبُ الْمُتْعَةُ لِسَيِّدِ الْأَمَةِ وَفِي كَسْبِ الْعَبْدِ كَالْمَهْرِ. (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا تَنْقُصَ) الْمُتْعَةُ (عَنْ ثَلَاثِينَ دِرْهَمًا) أَوْ مَا قِيمَتُهُ ذَلِكَ. قَالَ فِي الْبُوَيْطِيِّ: وَهَذَا أَدْنَى الْمُسْتَحَبِّ، وَأَعْلَاهُ خَادِمٌ، وَأَوْسَطُهُ ثَوْبٌ ا هـ. وَيُسَنُّ أَنْ لَا تَبْلُغَ نِصْفَ مَهْرِ الْمِثْلِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْمُقْرِي: فَإِنْ بَلَغَتْهُ أَوْ جَاوَزَتْهُ جَازَ لِإِطْلَاقِ الْآيَةِ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ: وَلَا يَزِيدُ وُجُوبًا عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ، وَلَمْ يَذْكُرُوهُ ا هـ. وَمَحَلُّ ذَلِكَ مَا إذَا فَرَضَهُ الْحَاكِمُ، وَيَشْهَدُ لَهُ مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ نَظَائِرُ، مِنْهَا أَنَّ الْحَاكِمَ لَا يَبْلُغُ بِحُكُومَةِ عُضْوٍ مُقَدَّرَةٍ. وَمِنْهَا أَنْ لَا يَبْلُغَ بِالتَّعْزِيرِ الْحَدَّ وَغَيْرُ ذَلِكَ. أَمَّا إذَا اتَّفَقَ عَلَيْهَا الزَّوْجَانِ فَلَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ، وَيُحْمَلُ عَلَى هَذَا كَلَامُ مَنْ اعْتَرَضَ عَلَى الْبُلْقِينِيُّ وَقَالَ: الْأَوْجَهُ خِلَافُ كَلَامِهِ، بَلْ مُقْتَضَى النَّظَائِرِ أَنْ لَا يَصِلَ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ إذَا فَرَضَهَا الْقَاضِي وَهُوَ ظَاهِرٌ، ثُمَّ إنْ تَرَاضَيَا عَلَى شَيْءٍ فَذَاكَ. وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا تَنْقُصَ عَنْ ثَلَاثِينَ دِرْهَمًا، فَإِنْ تَنَازَعَا قَدَّرَهُ الْقَاضِي بِنَظَرِهِ مُعْتَبِرًا حَالَهُمَا، وَقِيلَ، وَقِيلَ حَالَهَا، وَقِيلَ أَقَلَّ مَالٍ.
الشَّرْحُ: (فَإِنْ تَنَازَعَا) فِي قَدْرِهَا (قَدَّرَهَا الْقَاضِي بِنَظَرِهِ) أَيْ اجْتِهَادِهِ بِحَسَبِ مَا يَلِيقُ بِالْحَالِ (مُعْتَبِرًا حَالَهُمَا) مِنْ يَسَارِ الزَّوْجِ وَإِعْسَارِهِ وَنَسَبِهَا وَصِفَاتِهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ} {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} (وَقِيلَ) يَعْتَبِرُ () فَقَطْ لِظَاهِرِ الْآيَةِ وَكَالنَّفَقَةِ (وَقِيلَ حَالَهَا) فَقَطْ لِأَنَّهَا كَالْبَدَلِ عَنْ الْمَهْرِ، وَهُوَ مُعْتَبَرٌ (وَقِيلَ) لَا يُقَدِّرُهَا بِشَيْءٍ، بَلْ الْوَاجِبُ (أَقَلُّ مَالٍ) مُتَمَوَّلٍ كَمَا يَجُوزُ جَعْلُهُ صَدَاقًا، وَفُرِّقَ بِأَنَّ الْمَهْرَ بِالتَّرَاضِي، وَعَلَى تَقْدِيرِهِ يَجِبُ مَا يُقَرِّرُهُ.
المتن: اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ مَهْرٍ أَوْ صِفَتِهِ تَحَالَفَا، وَيَتَحَالَفُ وَارِثَاهُمَا أَوْ وَارِثُ وَاحِدٍ وَالْآخَرُ ثُمَّ يُفْسَخُ الْمَهْرُ، وَيَجِبُ مَهْرُ مِثْلٍ.
الشَّرْحُ: فَصْلٌ فِي التَّحَالُفِ عِنْدَ التَّنَازُعِ فِي الْمَهْرِ الْمُسَمَّى، إذَا (اخْتَلَفَا) أَيْ الزَّوْجَانِ قَبْلَ وَطْءٍ أَوْ بَعْدَهُ مَعَ بَقَاءِ الزَّوْجِيَّةِ أَوْ زَوَالِهَا (فِي قَدْرِ مَهْرٍ) مُسَمًّى وَكَانَ مَا يَدَّعِيهِ الزَّوْجُ أَقَلَّ كَقَوْلِهِ: عُقِدَ بِأَلْفٍ، فَقَالَتْ: بَلْ بِأَلْفَيْنِ (أَوْ) فِي (صِفَتِهِ) الشَّامِلَةِ لِجِنْسِهِ وَالْحُلُولِ وَالتَّأْجِيلِ وَقَدْرِ الْأَجَلِ، كَأَنْ قَالَتْ بِأَلْفِ دِينَارٍ، فَقَالَ: بَلْ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ أَوْ قَالَتْ بِأَلْفٍ صَحِيحَةٍ، فَقَالَ: بَلْ مُكَسَّرَةٍ أَوْ بِحَالٍّ فَقَالَ بَلْ بِمُؤَجَّلٍ أَوْ بِمُؤَجَّلٍ إلَى سَنَةٍ فَقَالَ بَلْ إلَى سَنَتَيْنِ وَلَا بَيِّنَةَ لِأَحَدِهِمَا أَوْ تَعَارَضَتْ بَيِّنَتَاهُمَا (تَحَالَفَا) قِيَاسًا عَلَى الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُدَّعٍ وَمُدَّعًى عَلَيْهِ، وَكَيْفِيَّةُ الْيَمِينِ وَمَنْ يُبْدَأُ بِهِ عَلَى مَا مَرَّ فِي الْبَيْعِ، لَكِنْ يُبْدَأُ هُنَا بِالزَّوْجِ لِقُوَّةِ جَانِبِهِ بَعْدَ التَّحَالُفِ بِبَقَاءِ الْبُضْعِ لَهُ. تَنْبِيهٌ: لَوْ وَجَبَ مَهْرُ مِثْلٍ لِفَسَادِ التَّسْمِيَةِ وَنَحْوِهِ فَاخْتَلَفَا فِي مِقْدَارِهِ فَلَا تَحَالُفَ، وَيُصَدَّقُ الزَّوْجُ بِيَمِينِهِ لِأَنَّهُ غَارِمٌ وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ عَمَّا زَادَ (وَيَتَحَالَفُ) عِنْدَ الِاخْتِلَافِ السَّابِقِ أَيْضًا (وَارِثَاهُمَا أَوْ وَارِثُ وَاحِدٍ) مِنْهُمَا (وَالْآخَرُ) لِقِيَامِهِ مَقَامَ مُوَرِّثِهِ. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ كَتَحَالُفِ الزَّوْجَيْنِ، وَلَيْسَ مُرَادًا، فَإِنَّ الزَّوْجَيْنِ يَحْلِفَانِ عَلَى الْبَتِّ فِي النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ، وَالْوَارِثُ يَحْلِفُ عَلَى الْبَتِّ فِي الْإِثْبَاتِ، وَنَفْيُ الْعِلْمِ فِي النَّفْيِ عَلَى الْقَاعِدَةِ فِي الْحَلِفِ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ، فَيَقُولُ وَارِثُ الزَّوْجِ وَاَللَّهِ لَا أَعْلَمُ أَنَّ مُوَرِّثِي نَكَحَهَا بِأَلْفٍ وَإِنَّمَا نَكَحَهَا بِخَمْسِمِائَةٍ، وَيَقُولُ وَارِثُ الزَّوْجَةِ: وَاَللَّهِ لَا أَعْلَمُ أَنَّهُ نَكَحَ مُوَرِّثَتِي بِخَمْسِمِائَةٍ وَإِنَّمَا نَكَحَهَا بِأَلْفٍ (ثُمَّ) بَعْدَ التَّحَالُفِ الْمَذْكُورِ (يُفْسَخُ الْمَهْرُ) الْمُسَمَّى لِمَصِيرِهِ بِالتَّحَالُفِ مَجْهُولًا، وَلَا يَنْفَسِخُ بِنَفْسِ التَّحَالُفِ كَالْبَيْعِ، وَأَشَارَ إلَى فَائِدَةِ التَّحَالُفِ بِقَوْلِهِ (وَيَجِبُ مَهْرُ مِثْلٍ) وَإِنْ زَادَ عَلَى مَا ادَّعَتْهُ لِأَنَّهُمَا لَمَّا تَحَالَفَا وَجَبَ رَدُّ الْبُضْعِ وَهُوَ لَا يُمْكِنُ فَيَجِبُ بَدَلُهُ كَالْمَبِيعِ التَّالِفِ، وَالْكَلَامُ فِيمَنْ يَفْسَخُهُ عَلَى الْخِلَافِ فِيمَنْ يَفْسَخُ الْبَيْعَ بَعْدَ التَّحَالُفِ، وَفِي أَنَّهُ هَلْ يُفْسَخُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا أَوْ ظَاهِرًا فَقَطْ الْخِلَافُ فِي الْبَيْعِ. أَمَّا إذَا كَانَ مُدَّعَى الزَّوْجِ الْأَكْثَرَ فَلَا تَحَالُفَ لِأَنَّهُ مُعْتَرِفٌ لَهَا بِمَا تَدَّعِيهِ وَزِيَادَةٍ وَيَبْقَى الزَّائِدُ فِي يَدِهِ.
المتن: وَلَوْ ادَّعَتْ تَسْمِيَةً فَأَنْكَرَهَا تَحَالَفَا فِي الْأَصَحِّ.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ ادَّعَتْ تَسْمِيَةً) لِقَدْرٍ أَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا (فَأَنْكَرَ) ذِكْرَ (هَا) لَهَا بِأَنْ قَالَ: لَمْ تَقَعْ تَسْمِيَةٌ وَلَمْ يَدَّعِ تَفْوِيضًا يُفْسِدُ النِّكَاحَ (تَحَالَفَا فِي الْأَصَحِّ)؛ لِأَنَّ حَاصِلَهُ الِاخْتِلَافُ فِي قَدْرِ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ الْوَاجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ وَهِيَ تَدَّعِي زِيَادَةً عَلَيْهِ، وَالثَّانِي: يُصَدَّقُ الزَّوْجُ بِيَمِينِهِ لِمُوَافَقَتِهِ لِلْأَصْلِ وَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَلَوْ ادَّعَى تَسْمِيَةً لِقَدْرٍ أَقَلَّ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ فَأَنْكَرَتْ ذِكْرَهَا تَحَالَفَا أَيْضًا عَلَى الْأَصَحِّ، فَإِنْ كَانَ قَدْرَ مَهْرِ الْمِثْلِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ أَوْ كَانَ مِنْ غَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ تَحَالَفَا أَيْضًا كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ أَمَّا إذَا ادَّعَى التَّفْوِيضَ فَالْأَصْلُ عَدَمُ التَّسْمِيَةِ مِنْ جَانِبٍ وَعَدَمُ التَّفْوِيضِ مِنْ جَانِبٍ فَيَحْلِفُ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى نَفْيِ مُدَّعَى الْآخَرِ تَمَسُّكًا بِالْأَصْلِ، وَإِنْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا التَّفْوِيضَ وَالْآخَرُ السُّكُوتَ عَنْ الْمَهْرِ صُدِّقَ الْآخَرُ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّفْوِيضِ فَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ، فَإِنْ كَانَ تَرْكُ التَّسْمِيَةِ يُفْسِدُ النِّكَاحَ لِوُقُوعِهِ مِنْ غَيْرِ جَائِزَةِ التَّصَرُّفِ فَلَا تَحَالُفَ.
المتن: وَلَوْ ادَّعَتْ نِكَاحًا وَمَهْرَ مِثْلٍ فَأَقَرَّ بِالنِّكَاحِ وَأَنْكَرَ الْمَهْرَ أَوْ سَكَتَ فَالْأَصَحُّ تَكْلِيفُهُ الْبَيَانَ، فَإِنْ ذَكَرَ قَدْرًا وَزَادَتْ تَحَالَفَا، وَإِنْ أَصَرَّ مُنْكِرًا حَلَفَتْ وَقَضَى لَهَا.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ ادَّعَتْ نِكَاحًا وَمَهْرَ مِثْلٍ) لِعَدَمِ تَسْمِيَةٍ صَحِيحَةٍ (فَأَقَرَّ بِالنِّكَاحِ وَأَنْكَرَ الْمَهْرَ) بِأَنْ نَفَاهُ فِي الْعَقْدِ (أَوْ سَكَتَ) عَنْهُ وَلَمْ يَدَّعِ تَفْوِيضًا (فَالْأَصَحُّ) عَدَمُ سَمَاعِ ذَلِكَ مِنْهُ، وَ (تَكْلِيفُهُ الْبَيَانَ) لِمَهْرِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ يَقْتَضِي الْمَهْرَ (فَإِنْ ذَكَرَ قَدْرًا وَزَادَتْ) عَلَيْهِ (تَحَالَفَا) وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ تَحَالُفٌ فِي قَدْرِ مَهْرِ الْمِثْلِ (وَإِنْ أَصَرَّ) الزَّوْجُ (مُنْكِرًا حَلَفَتْ) أَيْ الزَّوْجَةُ الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ أَنَّهَا تَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ مَهْرَ مِثْلِهَا (وَقُضِيَ لَهَا) بِهِ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَا يُكَلَّفُ بَيَانَ مَهْرٍ، وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ إنَّهَا لَا تَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ مَهْرًا لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ. وَالثَّالِثُ: الْقَوْلُ قَوْلُهَا بِيَمِينِهَا؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مَعَهَا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ قَرِيبَةٌ فِي الْمَعْنَى مِنْ الَّتِي قَبْلَهَا وَإِنَّمَا الِاخْتِلَافُ بَيْنَهُمَا فِي التَّصْوِيرِ، وَفَرَّقَ غَيْرُهُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ تِلْكَ فِي إنْكَارِ التَّسْمِيَةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِمَهْرِ الْمِثْلِ بِأَنْ ادَّعَتْ زَائِدًا عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ، أَوْ شَيْئًا مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ فَيَتَحَالَفَانِ. وَأَمَّا هَذِهِ فَالزَّوْجُ فِيهَا مُنْكِرٌ الْمَهْرَ أَصْلًا، وَلَا سَبِيلَ إلَى إنْكَارِهِ مَعَ اعْتِرَافِهِ بِالنِّكَاحِ، فَلِذَلِكَ كُلِّفَ الْبَيَانَ لِمَهْرِ مِثْلٍ، فَإِنْ ذَكَرَ قَدْرًا أَنْقَصَ مِمَّا ذَكَرَتْ تَحَالَفَا، وَإِنْ أَصَرَّ عَلَى الْإِنْكَارِ حَلَفَتْ وَقُضِيَ لَهَا.
المتن: وَلَوْ اخْتَلَفَ فِي قَدْرِهِ زَوْجٌ وَوَلِيُّ صَغِيرَةٍ أَوَمَجْنُونَةٍ تَحَالَفَا فِي الْأَصَحِّ.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ اخْتَلَفَ فِي قَدْرِهِ زَوْجٌ وَوَلِيُّ صَغِيرَةٍ أَوَمَجْنُونَةٍ تَحَالَفَا فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ الْوَلِيَّ هُوَ الْعَاقِدُ، وَلَهُ وِلَايَةُ قَبْضِ الْمَهْرِ، فَكَانَ اخْتِلَافُهُ مَعَ الزَّوْجِ كَاخْتِلَافِ الْبَالِغَةِ مَعَهُ وَلِأَنَّهُ يُقْبَلُ إقْرَارُهُ فِي النِّكَاحِ وَالْمَهْرِ فَلَا يَبْعُدُ تَحْلِيفُهُ، وَفَائِدَةُ التَّحَالُفِ أَنَّهُ رُبَّمَا يَنْكَلُ الزَّوْجُ فَيُحَلَّفُ الْوَلِيُّ فَيَثْبُتُ مُدَّعَاهُ وَلَكَ أَنْ تَقُولَ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا: إنَّ هَذِهِ الْفَائِدَةَ تَحْصُلُ بِتَحْلِيفِ الزَّوْجِ مِنْ غَيْرِ تَحَالُفٍ. وَالثَّانِي: لَا تَحَالُفَ؛ لِأَنَّا لَوْ حَلَّفْنَا الْوَلِيَّ لَأَثْبَتْنَا بِيَمِينِهِ حَقَّ غَيْرِهِ، وَذَلِكَ مَحْذُورٌ. وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الدَّعَاوَى مِنْ أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى دَيْنًا لِمُوَلِّيَتِهِ فَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَنَكَلَ لَا يَحْلِفُ، وَإِنْ ادَّعَى مُبَاشَرَةَ سَبَبِهِ. وَأَجَابَ الْأَوَّلَ بِأَنَّ حَلِفَهُ هُنَاكَ مُطْلَقًا عَلَى اسْتِحْقَاقِ مُوَلِّيهِ فَهُوَ حَلِفٌ لِلْغَيْرِ فَلَا يَقْبَلُ النِّيَابَةَ، وَهُنَا عَلَى أَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ هَكَذَا فَهُوَ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ، وَالْمَهْرُ يَثْبُتُ ضِمْنًا، وَيُغْتَفَرُ فِي الضِّمْنِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي غَيْرِهِ، وَإِنَّمَا يَتَحَالَفَانِ إذَا ادَّعَى وَلِيُّ الصَّغِيرَةِ أَوْ الْمَجْنُونَةِ الزِّيَادَةَ عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ وَاعْتَرَفَ الزَّوْجُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ، فَإِنْ ادَّعَى الزَّوْجُ دُونَ مَهْرِ الْمِثْلِ فَلَا تَحَالُفَ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ بِدُونِهِ وَإِنْ نَقَّصَ الْوَلِيُّ، وَإِنَّمَا لَمْ يَتَحَالَفَا كَمَا لَوْ ادَّعَى الزَّوْجُ مَهْرَ الْمِثْلِ ابْتِدَاءً لِأَنَّهُ يَدَّعِي تَسْمِيَةً فَاسِدَةً، فَلَا عِبْرَةَ بِدَعْوَاهُ، وَلَوْ اعْتَرَفَ الزَّوْجُ بِقَدْرٍ يَزِيدُ عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ وَادَّعَى الْوَلِيُّ أَكْثَرَ فَلَا تَحَالُفَ؛ لِئَلَّا يَرْجِعَ الْوَاجِبُ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ فَيُرْجَعَ فِيهِ إلَى قَوْلِ الزَّوْجِ، وَلَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ تَحْلِيفِهِ عَلَى نَفْيِ الزِّيَادَةِ كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ رَجَاءَ أَنْ يَنْكُلَ فَيَحْلِفَ الْوَلِيُّ وَيُثْبِتُ مُدَّعَاهُ، وَلَوْ ادَّعَى الْوَلِيُّ مَهْرَ الْمِثْلِ أَوْ أَكْثَرَ وَذَكَرَ الزَّوْجُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَتَحَالَفَا بَلْ يُؤْخَذُ بِمَا قَالَهُ الزَّوْجُ، وَلَوْ نَكَلَ الْوَلِيُّ اُنْتُظِرَ بُلُوغُ الصَّبِيَّةِ كَمَا رَجَّحَهُ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ فَلَعَلَّهَا تَحْلِفُ، وَتَحْلِفُ صَغِيرَةٌ بَلَغَتْ عَاقِلَةً قَبْلَ التَّحَالُفِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ أَهْلِ الْيَمِينِ فَلَا يَحْلِفُ الْوَلِيُّ، وَيَجْرِي هَذَا الْحُكْمُ فِي اخْتِلَافِ الْمَرْأَةِ مَعَ وَلِيِّ الصَّغِيرِ وَفِي اخْتِلَافِ وَلِيَّيْ الزَّوْجَيْنِ الصَّغِيرَيْنِ، وَلَا يَحْلِفُ مُجْبِرُ الْبَالِغَةِ الْعَاقِلَةِ بَلْ هِيَ الَّتِي تَحْلِفُ لِأَنَّهَا مِنْ أَهْلِ الْيَمِينِ بِخِلَافِ الْوَكِيلَيْنِ فِي الْعَقْدِ الْمَالِيِّ كَالْبَيْعِ فَيَحْلِفَانِ؛ لِأَنَّهُمَا الْعَاقِدَانِ بِخِلَافِ الْمُوَكِّلَيْنِ، وَأَمَّا الْوَكِيلُ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ فَكَالْوَلِيِّ فِيمَا ذُكِرَ، وَلَا يَحْلِفُ وَلِيُّ الصَّغِيرَةِ فِيمَا لَمْ يُنْشِئْهُ، فَلَوْ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ أَتْلَفَ مَا لَهَا وَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَنَكَلَ لَمْ يَحْلِفْ هُوَ يَمِينَ الرَّدِّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِإِنْشَائِهِ بَلْ يَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَإِنْ نَكَلَ لَمْ يُقْضَ بِنُكُولِهِ بَلْ يُتَوَقَّفْ حَتَّى يَبْلُغَ الصَّبِيُّ أَوْ الصَّبِيَّةُ وَيَحْلِفَ، وَكَالصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ فِيمَا ذُكِرَ الْمَجْنُونُ وَالْمَجْنُونَةُ.
المتن: وَلَوْ قَالَتْ نَكَحَنِي يَوْمَ كَذَا بِأَلْفٍ، وَيَوْمَ كَذَا بِأَلْفٍ وَثَبَتَ الْعَقْدَانِ بِإِقْرَارِهِ أَوْ بِبَيِّنَةٍ لَزِمَهُ أَلْفَانِ، فَإِنْ قَالَ لَمْ أَطَأْ فِيهِمَا أَوْ فِي أَحَدِهِمَا صُدِّقَ بِيَمِينِهِ وَسَقَطَ الشَّطْرُ، وَإِنْ قَالَ كَانَ الثَّانِي تَجْدِيدَ لَفْظٍ لَا عَقْدًا لَمْ يُقْبَلْ.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ قَالَتْ) فِي دَعْوَاهَا عَلَى زَيْدٍ مَثَلًا (نَكَحَنِي يَوْمَ كَذَا) كَالسَّبْتِ (بِأَلْفٍ وَيَوْمَ كَذَا) كَالْخَمِيسِ (بِأَلْفٍ وَثَبَتَ الْعَقْدَانِ بِإِقْرَارِهِ أَوْ بِبَيِّنَةٍ) أَوْ بِيَمِينِهَا بَعْدَ نُكُولِهِ (لَزِمَهُ أَلْفَانِ) لِإِمْكَانِ صِحَّةِ الْعَقْدَيْنِ بِأَنْ يَتَخَلَّلَهُمَا خُلْعٌ، وَلَا حَاجَةَ إلَى التَّعَرُّضِ لَهُ وَلَا لِلْوَطْءِ فِي الدَّعْوَى. أَمَّا عَدَمُ التَّعَرُّضِ لِتَخَلُّلِ الْفُرْقَةِ فَلِأَنَّ الْعَقْدَ الثَّانِيَ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ ارْتِفَاعِ الْأَوَّلِ. وَأَمَّا عَدَمُ التَّعَرُّضِ لِلْوَطْءِ فَلِأَنَّ الْمُسَمَّى فِي كُلِّ عَقْدٍ يَجِبُ بِالْعَقْدِ، وَالْأَصْلُ بَقَاؤُهُ حَتَّى يَثْبُتَ إسْقَاطُهُ (فَإِنْ قَالَ) الزَّوْجُ (لَمْ أَطَأْ فِيهِمَا) أَيْ الْعَقْدَيْنِ (أَوْ فِي أَحَدِهِمَا صُدِّقَ بِيَمِينِهِ) لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْوَطْءِ (وَسَقَطَ الشَّطْرُ) مِنْ الْأَلْفَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا لِأَنَّهُ فَائِدَةُ تَصْدِيقِهِ. تَنْبِيهٌ: صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ إذَا ادَّعَى عَدَمَ الْوَطْءِ فِي الثَّانِي أَنْ يَدَّعِيَ الطَّلَاقَ وَإِلَّا فَمُجَرَّدُ دَعْوَى عَدَمِ الْوَطْءِ لَا يُسْقِطُ الشَّطْرَ فِي الثَّانِي، وَإِنَّمَا يُسْقِطُهُ فِي الْأَوَّلِ (وَإِنْ قَالَ كَانَ الثَّانِي تَجْدِيدَ لَفْظٍ) لِلْعَقْدِ الْأَوَّلِ (لَا عَقْدًا) ثَانِيًا (لَمْ يُقْبَلْ) قَوْلُهُ لِمُخَالَفَتِهِ الظَّاهِرَ، وَلَهُ تَحْلِيفُهَا عَلَى نَفْيِ مَا ادَّعَاهُ لِإِمْكَانِهِ. فُرُوعٌ: لَوْ أَعْطَاهَا مَالًا، فَقَالَتْ: أَعْطَيْته هَدِيَّةً وَقَالَ: بَلْ صَدَاقًا، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمُعْطَى مِنْ جِنْسِ الصَّدَاقِ؛ لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِكَيْفِيَّةِ إزَالَةِ مِلْكِهِ، وَلَوْ أَعْطَى مَنْ لَا دَيْنَ لَهُ عَلَيْهِ شَيْئًا، وَقَالَ: أَعْطَيْتُك إيَّاهُ بِعِوَضٍ وَأَنْكَرَ صُدِّقَ الْمُنْكِرُ بِيَمِينِهِ. فَإِنْ قِيلَ: لِمَ لَمْ يَقُلْ إنَّهُ أَعْرَفُ بِكَيْفِيَّةِ إزَالَةِ مِلْكِهِ كَمَا مَرَّ؟. أُجِيبَ بِأَنَّ الزَّوْجَ مُسْتَقِلٌّ بِأَدَاءِ الدَّيْنِ وَبِقَصْدِهِ وَبِأَنَّهُ يُرِيدُ إبْرَاءَ الذِّمَّةِ، بِخِلَافِ مَنْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ فِيهِمَا. ، وَتُسْمَعُ دَعْوَى تَسْلِيمِ الصَّدَاقِ إلَى وَلِيِّ صَغِيرَةٍ وَمَجْنُونَةٍ وَسَفِيهَةٍ، لَا وَلِيِّ رَشِيدَةٍ وَلَوْ بِكْرٍ فَلَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ عَلَيْهِ إلَّا إذَا ادَّعَى إذْنَهَا نُطْقًا فَتُسْمَعُ عَلَيْهِ لِلْإِذْنِ الصَّرِيحِ لَهُ فِي الْقَبْضِ. وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي عَيْنِ الْمَنْكُوحَةِ صُدِّقَ كُلٌّ مِنْهُمَا فِيمَا نَفَاهُ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ اخْتِلَافٌ فِي عَقْدَيْنِ، وَإِنْ قَالَ لِامْرَأَتَيْنِ: تَزَوَّجْتُكُمَا بِأَلْفٍ، فَقَالَتْ إحْدَاهُمَا: بَلْ أَنَا فَقَطْ بِأَلْفٍ تَحَالَفَا؛ لِأَنَّهُ اخْتِلَافٌ فِي قَدْرِ مَهْرِ الْمُتَّفَقُ عَلَى نِكَاحِهَا وَأَمَّا الْأُخْرَى فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا فِي نَفْيِ النِّكَاحِ. ، وَلَوْ قَالَتْ حُرَّةٌ لِمَنْ يَمْلِكُ أَبَوَيْهَا وَنَكَحَهَا بِأَحَدِهِمَا مُعَيِّنًا أَصْدَقَتْنِي أُمِّي فَقَالَ: بَلْ أَبَاك تَحَالَفَا وَفُسِخَ عَقْدُ الصَّدَاقِ وَوَجَبَ لَهَا عَلَيْهِ مَهْرُ الْمِثْلِ إلَّا إنْ نَكَلَا أَوْ نَكَلَتْ وَحَلَفَ هُوَ فَلَا يَجِبُ لَهَا مَهْرٌ؛ لِأَنَّ مَنْ ادَّعَى شَيْئًا وَنَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ بَعْدَ الرَّدِّ كَانَ كَمَنْ لَمْ يَدَّعِ شَيْئًا وَعَتَقَ الْأَبُ دُونَ الْأُمِّ فِي الصُّوَرِ كُلِّهَا بِإِقْرَارِ الزَّوْجِ بِدُخُولِهِ فِي مِلْكِ مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ وَوُقِفَ وَلَاؤُهُ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ: هُوَ لَهَا، وَهِيَ مُنْكِرَةٌ، وَلَا تَعْتِقُ الْأُمُّ إلَّا إنْ نَكَلَ وَحَلَفَتْ. وَلَوْ أَصْدَقَهَا جَارِيَةً ثُمَّ وَطِئَهَا عَالِمًا بِالْحَالِ قَبْلَ الدُّخُولِ لَمْ يُحَدَّ لِشُبْهَةِ اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي أَنَّهَا هَلْ تَمْلِكُ قَبْلَ الدُّخُولِ جَمِيعَ الصَّدَاقِ أَوْ نِصْفَهُ فَقَطْ أَوْ بَعْدَهُ حُدَّ، وَلَا تُقْبَلُ دَعْوَى جَهْلِ مِلْكِ الْجَارِيَةِ بِالدُّخُولِ إلَّا مِنْ قَرِيبِ عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ أَوْ مِمَّنْ نَشَأَ بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ عَنْ الْعُلَمَاءِ.
|